5 دقائق

أثر التعليم

الدكتور علاء جراد

يحاول الكثير من دول العالم اللحاق بركب التقدم في مجال التعليم، فالبعض يبذلون جهوداً فاعلة تساعد على حدوث طفرة، والبعض يبذلون جهوداً شكلية من أجل الحصول على ترتيب معين في مؤشر ما، وقد يختفون مرة أخرى من التصنيف بعد فترة. أعتقد أن أي تناول لملف التعليم لابد أن يشمل كل المراحل والمحاور، وأن يعامل معاملة في غاية الأهمية، وكقضية بقاء، وليس مجرد أحد الملفات المهمة. إن الأثر الحقيقي للتعليم يتضح من مخرجات المرحلة الابتدائية، وليس من المرحلة الجامعية، فمخرجات المرحلة الجامعية والدراسات العليا قد تظهر في صورة اختراعات أو حلول لمشكلات عملية، وغالباً ما يكون أثرها عائداً على الجوانب العملية في أحسن الظروف، أما في معظم الأحوال فلا أثر لها سوى أثر فردي واحد، وهو الاستفادة المباشرة للشخص الحاصل على الدرجة العلمية، كأن يحصل الخريج على وظيفة جيدة، أو ترقية في وظيفته الحالية، لكن الأثر لا يمتد إلى أبعد من ذلك، خصوصاً أن الكثيرين قد يعملون في وظائف بعيدة عن تخصصهم، وبالتالي لا تواتيهم الفرصة لتطبيق ما تعلموه.

إن الأثر الحقيقي يأتي من المرحلة الابتدائية، لأنها أكثر مرحلة تؤثر في حياة الإنسان، حيث تتشكل الشخصية في السنوات الأولى، وكما قيل «التعلم في الصغر كالنقش على الحجر»، فما يتعلمه الإنسان صغيراً سيتذكره طويلاً، ولا أقصد هنا قواعد النحو والرياضيات والجغرافيا، بل أقصد تعلم الأخلاق، وبناء الشخصية، ففي الدول التي تهتم بهذه المرحلة يتخرج الأطفال في المرحلة الابتدائية مفعمين بالقواعد الرئيسة ومهارات الحياة، ومنها احترام الآخرين، والعناية بهم، ويشمل ذلك الإنسان والحيوان والنبات والبيئة، فهم يعرفون جيداً الأثر البيئي لتصرفاتنا، ويعرفون معنى التسامح، والبعد عن الكراهية والعنصرية، يجيدون مهارات حل المشكلات، ومهارة التعبير عن أفكارهم، وكذلك الموضوعية. لقد تحاورت مع أطفال في عمر الثماني سنوات، يعرفون جيداً ويطبقون الكثير من المفاهيم التي لا يدركها الكثير من الكبار، مثل البعد عن العنصرية والتمييز، يعرفون جيداً ماذا تعني تلك الممارسات البغيضة، ويستنكرونها، بل ويبلغون عنها إذا رأوها.

هؤلاء الأطفال «المتنورون» قد يغيرون مسار حياة أهلهم، مثل تلك الطفلة ابنة «ماك ماكيني»، جندي المارينز، الذي كان يكره المسلمين، وقد أعد العدة لتفجير أحد المساجد، وبكلمة ونظرة من ابنته تحوّل تماماً ليتعلم الإسلام، ويغير فكره، حتى اعتنق الإسلام، وأصبح إمام ورئيس مركز «مونسي» الإسلامي في الولايات المتحدة. إن بناء الإنسان أهم من بناء أي صروح أو منشآت، فالإنسان هو القيمة الأسمى، وقد كرّمه الله في كل الأديان.

إن بناء الإنسان أهم من بناء أي صروح أو منشآت، فالإنسان هو القيمة الأسمى، وقد كرّمه الله في كل الأديان.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر