كـل يــوم

حكومة الإمارات في المحيط الأزرق!

سامي الريامي

استراتيجية المحيط الأزرق هي نوع من الاستراتيجيات الحديثة التي تناولتها كتب الإدارة الاستراتيجية المعاصرة، وتقوم على فكرة أنه ليس من الضروري على المنظمة، التي تريد تحقيق النجاح، أن تحتل مركزاً تنافسياً قوياً، بل يمكن أن تحرز نجاحاً من دون منافسة، وذلك بأن تتبنى هذه المنظمات أسواقاً جديدة تعرض فيها منتجاتها الجديدة، أو تقوم بطرح بضائع وسلع بديلة لا تجذب المنافس إليها، وبهذا تستطيع المنظمة تحقيق أرباح وفيرة، وبذكائها وريادتها الاستراتيجية تستطيع الابتعاد عن مناطق المنافسة، والبحث عن محيطات زرقاء جديدة، لا يوجد فيها منافس لتحقيق التفرد والنجاح.

هذه الاستراتيجية ابتدعها خبراء الإدارة لأسباب تجارية، لكنها كفكرة طبقتها وتبنتها بشكل فعلي لا نظري حكومة دولة الإمارات، واستطاعت أن تكون حكومة رائدة بفضل ابتعادها عن محيطها الإقليمي والعربي بخطوات واسعة، لتذهب إلى محيطات زرقاء خالية من أي منافسة، تركت المؤامرات والمشكلات والحروب، وتركت التشدد والتحزب والفساد، وتركت الأوضاع المقلقة والمرتبكة، وغادرت الأرض بحروبها ومشكلاتها ومنافسيها، لتحقق إنجازاتها في الفضاء بشكل لم يفكر فيه أحد، ولم يسبقها إليه أحد من محيطها الإقليمي أو العربي!

هذا هو الإنجاز، وهُنا تكمن الحكمة والذكاء، بالتركيز على المستقبل، وباقتحام بوابات التطور والتقدم، وبترك الانشغال في صغائر يهتم بها المنافسون الذين لا يعرفون طعم الإنجاز، ولا يعرفون سوى المكر والدسائس، في هذا الوقت تتطلع الإمارات إلى السماء، وتعبر من دون منافسة إلى الفضاء، لتطلق بنجاح القمر الاصطناعي «خليفة سات»، المخصص لأغراض الرصد، ويعتبر هذا القمر أيقونة تقنية متطورة للغاية، ويمتلك خمس براءات اختراع، وتم تصنيعه بأيدي فريق مكون بالكامل من مهندسي مركز محمد بن راشد للفضاء، وهو أول قمر اصطناعي يتم تطويره داخل الغرف النظيفة بمختبرات تقنيات الفضاء في الإمارات.

وبمجرد دخوله إلى مداره حول الأرض بدأ «خليفة سات» عمله بالتقاط الصور الفضائية، وإرسالها للمحطة الأرضية في مركز محمد بن راشد للفضاء، وهي صور ذات جودة فائقة تلبي احتياجات المؤسسات الحكومية، ومشروعات القطاع الخاص محلياً وعلى المستوى العالمي.

«خليفة سات» هو أول قمر اصطناعي يتم تصنيعه على أرض دولة الإمارات، ويعتبر باكورة إنتاج قطاع التقنيات المتقدمة في الإمارات، وقام بتصميم وتصنيع هذا القمر الاصطناعي فريق كبير من نخبة المهندسين الإماراتيين، ويعتبر تجسيداً لخطط مركز محمد بن راشد للفضاء، الهادفة إلى تأهيل جيل من العلماء والمهندسين الإماراتيين الذين سيسهمون بخبراتهم في إطلاق مشروعات فضائية طموحة خلال العقد المقبل. ويعتبر القمر الاصطناعي «خليفة سات» مصدر إلهام للكثير من المهندسين الإماراتيين الواعدين، ويشكّل هذا المشروع أيضاً انعكاساً لاستراتيجية مركز محمد بن راشد للفضاء في تشجيع الابتكار، وتحفيز التقدم التكنولوجي في دولة الإمارات.

وقبل ذلك كله، فهو نتاج فكر ورؤى قادة مخلصين، عرفوا طريق المجد والعز والفخر، قدموا بالفعل ما عجز عنه الآخرون الذين يجيدون الكلام، وأثبتوا أن الإمارات لا حدود لطموحاتها، ولا سقف لتطلعات أبنائها، عرفوا طريق المستقبل وسارعوا فيه بخطوات واسعة واثقة، في حين يتعثر الآخرون ويمشون في ظلمات التخبط والضياع.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر