5 دقائق

قليل من الفلسفة

الدكتور علاء جراد

كثيراً ما يطلق البعض لفظ فلسفة على نقاشات معينة، أو يصفون شخصاً بأنه فيلسوف، سواء على المحمل الإيجابي أي أنه حكيم ومتمكن من اللغة ومطلع، أو على المحمل السلبي بأنه كثير الكلام والسفسطة، وأنه «يتفلسف» أو يحاول أن يبدو بمظهر العارف ببواطن الأمور، وتعتبر دراسة الفلسفة من أصعب الأمور وأكثرها إرهاقاً للفكر، لأنها تبدأ من حيث يترك الإنسان المسلمات التي اعتاد القناعة بها، ويبدأ السير في رحلة عميقة وطويلة من أجل الوصول للمعرفة، وقد أدى ذلك في الماضي إلى اعتبار دراسة الفلسفة درباً من دروب الشرك أو الزندقة، وتمت مطاردة الفلاسفة واضطهادهم، فما الفلسفة؟ وهل هي حكر على المفكرين وحَمَلة الدكتوراه؟ حيث إن درجة الدكتوراه هي دكتوراه فلسفة موضوع معين، مثل الهندسة أو الإدارة.. إلخ.

«الحقيقة الوحيدة

المُطلَقة هي الموت،

في ما عدا ذلك

يختلف البشر حول

كل الأشياء».

كلمة فلسفة أو Philosophy في الأصل يونانية، ومعناها «حب الحكمة»، والفلاسفة هم «محبو الحكمة»، والحكمة هي أعلى درجة من درجات المعرفة، ومن الاتجاهات الحديثة الآن في علم الإدارة التركيز وتعزيز مفهوم «الحكمة المؤسسية»، وهي ما بعد عصر إدارة المعرفة والمعلومات والبيانات، وحتى يصل الإنسان للحكمة لابد أن يبحث عن الحقيقة، ولكي يبحث عن الحقيقة ينبغي أن يكوّن فكرة عنها، وعن مدى وجودها من عدمه، فهل هناك حقيقة واحدة مجردة أم أن هناك صورة مختلفة من الحقيقة؟ البعض سيجزم أن هناك حقيقة واحدة، فـ1+1=2، البعض الآخر يرى أن الحقيقة تعتمد على السياق الذي نبحث فيه عن الحقيقة، وكذلك على الطريقة التي نستخدمها للبحث عن الحقيقة، وبالتالي فإدراك الإنسان يؤثر في ماهية الحقيقة. ولنأخذ مثالاً بسيطاً جداً قد مررنا به جميعاً، شخصان يجلسان في الغرفة نفسها ودرجة حرارة جهاز التكييف 23، أحدهما يشعر بالبرد الشديد بينما الآخر يشعر أن الدرجة مناسبة بل ربما يشعر بالحر، بالنسبة لكل منهما فالشعور حقيقي تماماً، فأين هي الحقيقة المطلقة هنا؟

إننا جميعاً نمارس الفلسفة في حياتنا اليومية من دون أن نلاحظ ذلك، فالبعض يرى الحياة أبيض وأسود ولا مكان لديه لدرجات الألوان، بينما البعض الآخر يرى طيفاً واسعاً جداً من التدرج اللوني بين الأبيض والأسود، إن الحقيقة الوحيدة المطلقة هي الموت، في ما عدا ذلك يختلف البشر حول كل الأشياء، ومن الأمثلة البسيطة التي يستخدمها أحد أصدقائي في محاضراته، صورة لشخصين بينهما رسم يظهر من ناحية أحدهما كثلاث أسطوانات، لكن في الوقت نفسه يظهر أربع أسطوانات للشخص الآخر، فكلاهما يرى الحقيقة من منظوره.. وللموضوع بقية بإذن الله.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر