5 دقائق

مَوَدَّةً وَرَحْمَةً

الدكتور علاء جراد

كل يوم تثبت لنا تجارب الحياة والأبحاث أيضاً أن تماسك العائلة وحُب أفرادها لبعضهم بعضاً المظلة التي تحمي الإنسان من نوائب الدهر ومن الاكتئاب وكل أمراض العصر، ولا شك أن رضا الله عزّ وجلّ هو الأسمى وفيه راحة البال والسعادة الخالصة، في حين أن العائلة المتماسكة في طاعة الله أيضاً لها دور بالغ الأهمية في الصحة النفسية والذهنية، وتساعد مثل تلك البيئة على تخطي الكثير من الصعاب والعقبات بل وحتى الأمراض خصوصاً أمراض الشيخوخة. ولا شك أن الأطفال التي تنشأ في كنف أُسر متماسكة تنشأ قوية الشخصية، وبالتالي تكوّن أسراً ناجحة في المستقبل وتنمو أسر الأبناء لتتلاحم مع بعضها بعضاً مكونة العائلة الكبيرة.

لابد من توافق بين الزوج

والزوجة، وليس بالضرورة

أن تكون شخصياتهما

متطابقة، ولكن يكفي

التفاهم والتوافق.

في دراسة نشرتها الـ«بي بي سي» هذا الأسبوع قامت بها شركة تأمين في بريطانيا، واشترك فيها 2000 شخص فوق سن الـ50، رأى أغلبية المشاركين في الدراسة أنهم ندموا لأنهم لم يقضوا وقتاً أطول مع أطفالهم وأفراد عائلتهم، وأن قيمة العائلة والحب أهم بكثير من السباق المحموم نحو تأمين المستقبل واللهاث وراء الأهداف المادية البحتة، وأنهم ندموا على الأشياء التي لم يفعلوها أكثر من ندمهم على الأشياء التي فعلوها وفشلوا فيها، ونصح المشاركون الأجيال الشابة بالاستمتاع بالحياة والاهتمام بمن يحبون أكثر وأن يقضوا وقتاً أطول مع أطفالهم وشركاء حياتهم، والعبرة ليست بمقدار الوقت بقدر ما هي بنوعية وجودة ذلك الوقت. ومن الطبيعي أنه كلما زاد الاستقرار الأسري زاد استقرار المجتمع ككل، فهناك علاقة طردية أبدية بين الاثنين، والمتتبع لمعدل الجرائم وتحليلها سيجد أن أغلبية من يرتكبون الجرائم أو انجرفوا لتيار الإرهاب والتطرف والمخدرات نشأوا في أسر مفككة، ولم يحظوا بالرعاية الأسرية الكافية.

هناك عوامل عديدة تسهم في الاستقرار الأسري، التي تبدأ من قبل تكوين الأسرة، حيث لابد من توافق بين الزوج والزوجة وليس بالضرورة أن تكون شخصياتهما متطابقة، ولكن يكفي التفاهم والتوافق، ثم لابد من مستوى عالٍ من الوعي ومعرفة دور كل شريك، ثم التفهم الكامل والتعاون بين الشريكين لإنجاح مشروع الحياة، ولابد من وضع قواعد وسياسات واضحة والالتزام بها، وأن يخلص كل طرف للآخر ويتقي المولى، عز وجل، في حال عدم الاتفاق أو لا قدر الله الانفصال أن يكون بالمعروف، خصوصاً في حالة وجود أطفال حتى لا يكونوا ضحية للخلافات والعناد. ولنتذكر قول المولى عزّ وجلّ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} - (الروم 21).

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر