العودة إلى قلب المدينة بدلاً من الهجرة للأطراف!

سامي الريامي

تبذل الحكومة جهوداً ضخمة في تلبية احتياجات المواطنين من الأراضي السكنية، وهذا الاحتياج أساس وأولوية لكل مواطن، لذلك هو متجدد ومستمر ولا ينتهي، فالصغير يكبر، والكبير يتزوج ويكوّن أسرة، ولا أسرة من غير منزل، ولا منزل من دون قطعة أرض، إنها من المسلمات الضرورية لاستمرار الحياة!

هذا الطلب الشديد على الأراضي، تقابله قلة مستمرة في المعروض، فالمدينة تتوسع وتكبر بشكل كبير، وكلما مضت سنة يصبح الحصول على قطعة أرض سكنية أصعب وأصعب، وفي مقابل ذلك الحكومة، متمثلة في بلدية دبي مطالبة بمسح أراضٍ جديدة بشكل مستمر لتوزيعها، ولاشك في أن المناطق الجديدة لن تكون بأي حال قريبة من المناطق السكنية المعروفة، فهي غالباً تكون على أطراف المدينة!

والأمر بطبيعة الحال لا يقتصر على عملية مسح الأراضي، فهو في حقيقة الأمر بناء مدن جديدة بكل تفاصيلها، وكل مرافقها، وجميع خدماتها وبنيتها التحتية، وهذا كله يتطلب عشرات بل مئات الملايين لكل منطقة جديدة، كبُر عدد أراضيها أم صغُر، وهُنا هل سألنا أنفسنا: «من هو المستفيد الأكبر من هذه الهجرة العكسية، إن صح التعبير؟ وأقصد بها هجرة المواطنين من قلب المدينة إلى أطرافها».

قلب مدينة دبي، ومناطقها القديمة هي مناطق متكاملة الخدمات، ومتصلة ببعضها بعضاً، وبها كل المرافق، وبنيتها التحتية مكتملة بالكامل، ومع ذلك هجرها المواطنون، ورحلوا بعيداً في مناطق جديدة وبعيدة، لتبدأ من جديد عملية البناء والتعمير وتشييد المرافق من الصفر، وتبدأ الحكومة في صرف المليارات مرة أخرى، وبعد ذلك بعشر أو عشرين سنة، يبدأ المواطنون في التحرك إلى مناطق أخرى، وهكذا، دون الأخذ بعين الاعتبار محدودية مساحات الأراضي المستقبلية، والصرف الهائل على البنية التحتية والمرافق والخدمات، وهذان الأمران لن يمكنا الحكومة من ديمومة عمليات المسح وإنشاء مناطق سكنية جديدة، بل ربما سيشهد المدى المستقبلي المتوسط انتهاء هذه المساحات المخصصة لسكن المواطنين، فهل هناك بديل؟

أعتقد أن الوقت قد حان لتوجيه هجرة المواطنين نحو الداخل مجدداً، نحو وسط المدينة وقلبها، ونحو المناطق السكنية التي كانت تعج بالمواطنين يوماً ما، بالتأكيد لن يكون الأمر سهلاً، وسيعارضه كثيرون، لكن المنطق والحاجة يستدعيان ذلك، وإذا شجعت الحكومة المواطنين بمجموعة حوافز وتسهيلات واستثناءات، فأعتقد أننا سنجد من المواطنين من يرغب في العودة إلى مناطق مكتملة المرافق، ومأهولة وقريبة من الوسط التجاري!

قد يكون الأمر صعباً في البداية، لكن ما المانع من تجربته في مناطق مكتملة الخدمات، تركها أهلها للآسيويين والأفارقة، مثل الراشدية والحمرية وبدايات جميرا، ماذا لو سمحنا للمواطنين بالعودة إليها، بدلاً من إعطائهم أراضي في أطراف المدينة، وماذا لو شجعتهم الحكومة بإضافة طوابق عدة، وأعطتهم استثناءات عدة، وأمدتهم بدعم أكبر، وتمويل أسرع، لإعادة بناء منازلهم في تلك المناطق، أو إزالة منزل قديم والبناء مكانه بشرط السكن.. فهل هناك عائق يمنع ذلك؟

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر