5 دقائق

«الإنترنت».. ذاكرتنا الخارجية

عبدالله القمزي

كثيراً ما نعجز عن تذكّر تفاصيل حدث معين، أو ننسى جزئيات كتاب قرأناه أو قصة فيلم ما، أو أحداث مسلسل تلفزيوني أو حتى اسم شخص بعد مرور فترة وجيزة جداً تقدر بيوم أو يومين.

النسيان يصل إلى

أقصى درجة خلال

الـ24 ساعة الأولى

من وصول المعلومة.

تستطيع الذاكرة استرجاع التجربة المصاحبة للحدث أو النشاط، لكنها لا تستطيع استرجاع تفاصيل النشاط نفسه. مثلاً، يستطيع أحدنا تذكّر غلاف كتاب وملمسه وشكل الخط المستخدم فيه ومِن أين اشتراه أو مَن أهداه إياه، دون أن يتذكر تفاصيل ما قرأه في الكتاب.

أو يستطيع أحدنا تذكّر أين شاهد فيلماً معيناً ومع مَن، وأسماء الممثلين، وكيف كانت تجربته في الفيلم، وحتى تذكّر إن كان شخص ضايقه بتصرفاته أثناء المشاهدة، لكن لا يتمكن من تذكّر تفاصيل ذلك الفيلم.

الذاكرة بشكل عام محدودة بشكل كبير، والنسيان يصل إلى أقصى درجة خلال الـ24 ساعة الأولى من وصول المعلومة. تحديد كم المعلومات المنسية يختلف من شخص لآخر، لكن لو لم يراجع الشخص المعلومة التي تعلمها، فإنها ستكون طي النسيان بمجرد مرور اليوم الأول، أمّا لو كانت كمية معلومات فتتلاشى شيئاً فشيئاً مع مرور الأيام، وصولاً إلى بقاء جزئية بسيطة بعد أسبوع أو أكثر.

في عصر «الإنترنت» ذاكرة الاسترجاع أو القدرة على تذكّر التفاصيل بشكل عفوي لم تعد ضرورية، أو هي كذلك لتذكر أحاديث تبادلتها مع أصدقائك في المجلس أو المقهى، أو تذكر ما خططت لفعله أو شرائه. لكن ما يُسمى الذاكرة الإدراكية أصبح أكثر أهمية، ومعناها أنك طالما تدرك أين تجد المعلومات المطلوبة وكيفية الدخول إليها، فأنت لست بحاجة إلى استرجاعها في ذاكرتك.

كشفت البحوث أن «الإنترنت» توظَّف كنوع من الذاكرة الخارجية، فكلما اعتمد الناس على الدخول إلى «الإنترنت» وقتما شاؤوا، فإن قدراتهم على محاولة تذكر معلومة معينة تتراجع. المثير للاهتمام أكثر أن «الإنترنت» لا تعتبر عاملاً جديداً، بل هي تطور لتقنيات سابقة.

قبل عصر «الإنترنت» كانت الكتب ومنتجات صناعة الترفيه هي الذاكرة الخارجية للبشر، فلم يكن شخص مضطراً لتذكّر جملة قرأها في كتاب مادام الكتاب لديه ويستطيع الوصول إليه في أي وقت، وعندما اختُرعت أشرطة الفيديو في منتصف السبعينات تولدت حياة جديدة للمنتجات الترفيهية بعد انتهاء عروضها في الصالات، وأصبح بالإمكان اقتناء المادة الترفيهية في المنزل ومشاهدتها لمن يشاء.

نحن نستقبل معلومات في ذاكرتنا أكثر من قدرتنا على الاحتفاظ بها، لهذا السبب فإن المشاهدة أو القراءة المجزأة تبقى أفضل حل لتعزيز قدرة الذاكرة على الاسترجاع، ولهذا تقسم الدروس إلى أجزاء في المدارس، وتتم مراجعتها قبل الدخول إلى درس جديد.

ختاماً: في العام الماضي وجد باحثون أستراليون أن مشاهدي المسلسلات بشكل متواصل (حلقات متتالية دون توقف)، نسوا محتوى مسلسل أسرع من المشاهدين الأسبوعيين (حلقة كل أسبوع أو كل يوم). لكن المشاهدين المتواصلين سجلوا نقاطاً أعلى من نظرائهم الأسبوعيين عندما أجروا اختباراً بعد المشاهدة بشكل مباشر.

بعد 140 يوماً أعيد الاختبار ليتبين أن المشاهدين الأسبوعيين تذكّروا أفضل من المشاهدين المتواصلين، وأشار هؤلاء الأخيرون إلى أنهم لم يستمتعوا بتجربتهم، مقارنة بأولئك الذين شاهدوا حلقة أسبوعية أو يومية.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر