5 دقائق

آفة التباهي

الدكتور علاء جراد

من الطبيعي أن يهدف الإنسان إلى الأفضل، وأن يحسّن من وضعه المادي والاجتماعي، وأن يستمتع بما حباه الله به من نِعم كثيرة، لكن ليس من الطبيعي أن يكون محور اهتمام الإنسان هو صورته أمام الآخرين، وكيف يبدو، وماذا يقول الناس عنه، وكيف تبدو صورته لدى الآخرين. وهناك العديد من صور التباهي، فهناك من يتباهى بأبنائه أو أهله، أو علمه أو ماله أو منصبه، ويؤدي التباهي بالمال خصوصاً، إلى أنماط عجيبة من السلوك، حيث يبدأ الشخص بتقمص حياة ليست حياته، بل يمارس حياته بصورة مغايرة للواقع تماماً، فمثلاً يحرص على اقتناء سيارة باهظة الثمن، وقد لا يمتلك ثمنها، أو يحرص على أن يقضي الصيف في مصايف مكلفة، ليس رغبة في التغيير والمتعة، بقدر ما هو تقليد للآخرين، أو للمباهاة فقط، وقد أسهمت في انتشار تلك الآفة الكثير من قنوات التواصل، مثل «إنستغرام» و«فيس بوك»، حيث يقوم البعض بتصوير كل حركة وموقف، وينشرها على الملأ، لاسيما بعد خاصية «البث الحي»، التي لا تنتهي حوادثها وأخبارها الغريبة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

قد تأخذ هذه الظاهرة أبعاداً مرضية بمعنى الكلمة، فينعزل الإنسان تماماً عن واقعه، ويعيش في عالم التباهي الافتراضي، فحتى كوب القهوة يتم تصويره ونشره، فالتباهي يبدأ من كوب قهوة في مقهى شهير، أو عشاء في فندق، وانتهاء بتصوير السيارة والمنزل والمصيف والسلسلة لا تنتهي. بالطبع ليس كل من ينشر أخباره يهدف إلى التباهي، لكن الغالبية للأسف هم من المتباهين. أعتقد أن هذه الظاهرة بحاجة إلى توعية، سواء من قبل علماء الدين أو المعلمين، وكل من يهتم بإصلاح المجتمع عموماً، لأن الأبعاد الاقتصادية قد تكون مدمرة، فالكثير من المقبلين على الزواج يلجأون إلى الاقتراض وشراء أكوام من الأغراض التي لن تستعمل، وليس لها فائدة حقيقية، ليس لشيء إلا التباهي أمام الناس، وإذا كانت هذه هي بداية الحياة الزوجية، فكيف ستكون بعد ذلك؟! وليست سراً إحصاءات الطلاق، وعدد القضايا في المحاكم، ولو أجرينا بحثاً لوجدنا أن الكثير من تلك المشكلات كان يمكن تلافيها بقليل من الحكمة والبساطة. ولنا في «قارون» حكمة، فقد أهلكه الله بسبب التباهي والغرور، والاعتقاد بأن ما آتاه الله هو بسبب علمه. لقد نهانا المولى، عزَّ وجلَّ، عن التباهي والتفاخر، فقيمة الإنسان الحقيقية بعمله الصالح، وبإسهاماته في الحياة، وليس بما يملك من متاع الحياة الدنيا، وعلى الرغم من أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا، فإن الباقيات الصالحات هي الخير «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً». {الكهف:46}.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com


لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر