5 دقائق

فكر مرة أخرى

الدكتور علاء جراد

كثيراً ما تسيطر علينا فكرة أو أفكار أو توجهات معينة، وفي أغلب الأحيان فإن تفكيرنا يقودنا ويؤثر في القرارات التي نتخذها والتصرفات التي نقوم بها وهذا شيء طبيعي جداً، فأفعالنا ما هي إلا نتاج أفكارنا ومعتقداتنا، لكن ماذا لو كانت أفكارنا خطأ، ماذا لو كنا قد بنينا أفكارنا على أساس معطيات في الماضي قد تغيرت الآن ولم يعد لها وجود؟ ماذا لو كان هؤلاء الأشخاص الذين هاجمناهم دائماً واعتبرناهم في الاتجاه الخطأ ليسوا كذلك؟

التفكير ثانية وبعمق لن يضر، وليس معنى ذلك التردد أو أن يتخلى الإنسان عن أفكاره وأحلامه، ولكن يعني التأكد والأخذ في الاعتبار جميع المعطيات القائمة والسياق بمجمله، وليس اختزال جانب منه.

حتى نتجنب اكتشاف أخطائنا بعد فوات الأوان، من المهم أن نقوم بعمل اختبار للحقيقة أو Reality Check للتأكد من صحة توجهاتنا وانسجامها مع الواقع ومع السياق الذي نعيشه، لابد أن نسأل أنفسنا ونجيب بصدق وموضوعية عن مدى دقة وملاءمة ما نعتقد أنه صحيح للواقع الذي نعيشه، حتى إن كنا نرغب في تغيير الواقع فإلى أي مدى يمكن ذلك، وهنا يحتاج الإنسان دائماً إلى الرأي الآخر، يحتاج إلى أن يسمع بموضوعية كيف يفكر الآخرون وكيف يرون أفكاره، ومن ثم على الإنسان أن يفكر مرة أخرى ويعيد النظر في توجهاته، وليس سراً أن الكثير من القادة في الإدارة والأعمال حول العالم قد اتخذوا قرارات فاشلة ووقعوا في أخطاء جسيمة، بسبب الانصياع وراء أفكارهم دون التفكير في السيناريوهات البديلة، ودون الاستماع للآخرين، خصوصاً في وجود الثقة الزائدة بالنفس، وحتى في قرارات العمل الفنية والتشغيلية ينبغي أن يفكر الإنسان مرة أخرى، ويأخذ في الاعتبار، وبجدية، البدائل الأخرى، ومثال على ذلك حادث انفجار منصة «ديب ووتر هورايزون» التابعة لشركة «بريتش بترولويم» في عام 2010، الذي يعتبر أكبر كارثة بيئية في تاريخ الولايات المتحدة، حيث تسرب نحو خمسة ملايين برميل نفط، وأدى الانفجار لفقدان 11 عاملاً من المنصة، بالإضافة إلى الأضرار البيئية والمادية الكارثية. وقد أدت هذه الكارثة لتوتر العلاقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد خلصت التقارير إلى أن السبب الرئيس في الانفجار كان «الثقة الزائدة» للفريق الفني الذي لم يراعِ جميع الاعتبارات القائمة، على الرغم من وجود مؤشرات لاحتمال حدوث الكارثة، وتم توثيق القصة في فيلم أخيراً.

التفكير ثانية وبعمق لن يضر، وليس معنى ذلك التردد أو أن يتخلى الإنسان عن أفكاره وأحلامه، ولكن يعني التأكد والأخذ في الاعتبار جميع المعطيات القائمة والسياق بمجمله، وليس اختزال جانب منه والانسياق وراء الأمنيات بأن يحدث السيناريو الإيجابي، لا شك في أن التفاؤل مطلوب والنظرة الإيجابية كذلك، لكن ذلك لا يغني عن التفكير والتخطيط الجيد.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر