5 دقائق

ندوة التحوط المالي - الضوابط والأحكام -

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

أصبحت دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي بجدارتها لذلك؛ نشأةً ونشاطاً وتشريعاً وملاءةً ونظاماً ووثاقةً، فهي التي أنشأت المصرفية الإسلامية بنظامها البنكي، حيث أنشأت أول بنك إسلامي قبل 41 عاماً، فمخَرت المصرفية الإسلامية من دبي لجميع بلدان العالم، وأصبحت المصرفية الإسلامية واقعاً بعد أن كانت أملاً منشوداً لكنه بعيد المنال، إن لم يكن متصوراً على أنه مستحيل عادة، وتعددت آليات المصرفية الإسلامية ونشاطاتها حتى أصبحت تسير من حيث المنتجات والآليات مع المصرفية التقليدية كفَرَسَي رهان، ما حتم على علماء الاقتصاد الإسلامي أن يبتكروا منتجات مستقلة بصيغها وتشريعاتها بعيدة عن مثيلاتها الوضعية.

• أصبحت المصرفية الإسلامية واقعاً بعد أن كانت أملاً منشوداً لكنه بعيد المنال.

والتحوط المصرفي من أهم ما ينبغي الاهتمام به، وإيجاد صيغة إسلامية له تكون بديلاً للتحوط التقليدي الذي تتعامل به البنوك والمؤسسات المصرفية والتجارية لكل منتجاتها وعملياتها، لكن بما هو متاح من بيوع المؤشرات وعقود الاختيارات والمبادلات الآجلة، وجميعها تعد ضرباً من القمار وأكلاً لأموال الناس بالباطل، وقد سبق لمجمع الفقه الإسلامي أن بحثها في وقت مبكر من دورات مجمعه، وهي الدورة السابعة المنعقدة بجدة، المملكة العربية السعودية، عام 1992م، وقرر حرمة تلك العقود والتعاملات، إلا أن ذلك لم يمنع العمل بها على نطاق واسع في المؤسسات والأسواق التقليدية، ما قد يجعل المصرفية الإسلامية مضطرة للتعامل بها لحماية رأس المال، وعدم وجود البديل الإسلامي.

وقد عني مجمع الفقه الإسلامي الدولي ببحثه في دورة المجمع 21 المنعقدة بالرياض عام 2013، إلا أنه لم يفض إلى قرار مجمعي بشأنه، فأوصى بعقد ندوة متخصصة له؛ ليكون بحثه عميقاً، وطرحه أنيقاً ونقاشه وثيقاً.

وقد ظفرت دبي باستضافة هذه الندوة التي ستعقد برعاية سمو ولي عهد دبي، الشيخ حمدان بن محمد، حفظه الله، بتاريخ 26-27 من هذا الشهر، وذلك في إطار منتدى فقه الاقتصاد الإسلامي، الذي تنظمه دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، كإحدى الفعاليات لبرنامج دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، عام 2013م.

وستعنى هذه الندوة الموفقة، إن شاء الله تعالى، ببحث جميع جوانب التحوط المالي من حيث بيان مفهومه وأنواعه في الأسواق المالية، وبيان أدوات التحوط في الأسواق المالية كذلك، وأحكامها الشرعية، وبيان عمليات التحوط وتطبيقاتها في المصرفية الإسلامية، وبيان ضوابط التحوط وآثاره وبدائله، بحيث تكتمل الصورة التي تسهل بيان الحكم الشرعي بجلاء.

نعم، لقد بحثت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية موضوع حماية رأس المال في المعيار رقم 45، وبين المعيار الوسائل المشروعة لحماية رأس المال كالتأمين التكافلي، وضمان طرف ثالث، وتكوين احتياطيات، وتنويع الأصول الاستثمارية تفادياً للمخاطر، واستخدام عقود المرابحة والمشاركة والإجارة وبيع العربون وأخذ الرهون والضمانات.. إلى غير ذلك مما يحقق الحماية المطلوبة لرأس المال، إلا أن التحوط يهدف فوق ذلك إلى تحقيق عائد مقبول، ولا يكتفي بحماية رأس المال، وهو ما يسعى إليه كل مستثمر، وهي رغبة لا تنكرها الشريعة الإسلامية بل تحبذها، كما يشير إليه قوله سبحانه: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، لكن على أساس العدالة وعدم الإضرار بالغير، ولعل هذه الندوة ستبين آلية التحوط الجائزة النافعة فتطبق، من غيرها فتجتنب. فيكون ذلك فتحاً جديداً في الاقتصاد الإسلامي الطامح، ويرفع الحرج عن المتعاملين، وبالله التوفيق.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

تويتر