هنا الخليج العربي
كان العرب قديماً يعرفون السنين والأيام بأحداثها ووقائعها الكبار الجسام، وكانت هذه الاحداث بمثابة العلامة أو الدليل للتأريخ والتاريخ، فهذا «عام الفيل»، وهو العام الذي شهد محاولة هدم الكعبة المشرفة باستخدام الفيلة من قبل جيوش الحبشة، وهذا «عام بناء الكعبة»، وهو العام الذي قيل ان الكعبة بنيت فيه في أي من عصور بنائها، وذاك «عام الرمادة» الذي شهد قحطاً شديداً على أهل الجزيرة العربية والمسلمين في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه، وظلت هذه العادة مستمرة متصلة حتى الآن حتى بعد ان وضع التاريخ المسجل هجرياً كان أم ميلادياً، فدفعات الكليات العسكرية مثلاً تسمى باسم أحد القادة البارزين، وبعض الكليات المدنية تفعل الأمر نفسه حين تختار اسم أحد الأساتذة الأجلاء أو العلماء المتخصصين في تخصص الكلية نفسه، لتطلق اسمه على الدفعة المتخرجة تكريماً للدفعة المتخرجة قبل أن يكون تكريماً للاسم المختار كعلامة ودليل.
وهناك الكثير من الشواهد التي لاتزال تسير على النهج والمنوال نفسه في كثير من دروب وجوانب الحياة، رغم وجود تاريخ يمكن التأريخ به ومعرفة الأيام من خلاله، وعادة ما تكون تسمية الحدث أو العام بتسمية خاصة تخرج به عن إطاره الرقمي بأن يكون هذا الأمر كبيراً ومهماً، وان يكون الاسم جليلاً وعظيماً ومعبراً وموحياً.. وهذا المفهوم يحقق رؤية مهمة، فحين يذكر الاسم أي اسم تأتي معه تداعياته وصوره ويستحضر العقل وأحياناً القلب المعنى والمفاهيم المحيطة به. فحين أقول لك كلمة «حرب» تأتي الى ذهنك مباشرة كل صور الحرب، أو كلمة «نخلة» تأتي معها كل حبات بلحها ورطبها وخيرها. وعلى المسار نفسه وبالروح العربية الأصيلة ذاتها يأتي قرار لجنة دوري المحترفين بإطلاق اسم «الخليج العربي» على دوري الموسم المقبل لكرة القدم، بكل ما يحمل الاسم من قيمة ومعنى ومغزى في الوقت الراهن. يضاف الى حسن الاختيار والدلالة المنعكسة منه التوقيت في الاختيار، وهذا أمر مهم للغاية في الموضوع.
كلنا يقول: كم هو عبقري من أطلق شعار «البيت متوحد»، بكل ما حمل من مفهوم وقيمة وترسيخ وتأكيد وتحقيق، فقد جاء هذا الشعار في وقت حاولت قوى كثيرة من هنا وهناك أن تقترب من كيان دولتنا الحبيبة التي أسست على المحبة، لذا كانت كل ضربات المغرضين والحاقدين ومحاولاتهم تصطدم بجدار صلب أساسه الحب وعماده الإخلاص ولبناته الولاء من الصغير والكبير، من الشاب والكهل، من الرجل والمرأة، بل من الشجر والحجر أيضاً.. وسيظل هذا الشعار تسجيلاً لحقيقة نعيشها وننعم بها وفيها، وحفظ الله من أطلقها ورعاها، وحمى الله شعبنا الذى أكدها ونماها. ثم يأتي قرار لجنة دوري المحترفين الذكي بأن يكون اسم دورينا الذي يظل يجرى ويقام أكثر من 10 أشهر في العام «دوري الخليج العربي»، ليقول لمن في رأسه قليل فهم ومن في عينه قذى وفي فهمه مرض، أن هذه البقعة من أرض الله حفظها الله وحفظ أهلها كما حفظ ماءها وسماءها، حفظ تراثها رائقاً عذباً جميلاً بفعل أهل الخليج العربي ومحبتهم واتحادهم وروحهم.. أبداً لم يكن شعار خليجنا واحد وشعبنا واحد أغنية تغنى، بل كان حقيقة تؤكد، وكان معنى يطبق، وسيظل أهل الخليج بوحدتهم وروحهم يداً واحدة وقلباً واحداً وشعباً واحداً، إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقية الأعضاء بالسهر والحمى.
إن إطلاق اسم دوري الخليج العربي على دوري المحترفين في الإمارات فكرة جاءت في موعدها وفي لحظة تحاول فيها بعض الوجوه والألسن نفسها التشكيك والتضليل في وحدة كيان الخليج العربي وأبناء الخليج العربي.. تشكك في ماء عربي يحيط بنا غاص فيه أجدادنا منذ آلاف السنين، وأخرجوا من أحشائه أحلى صدفاته، زينوا جيد النساء بأحلى حباته وصنعوا حضارتنا وتراثنا.. رماله تحيطنا في حنان ورقة ولايزال.. وسيظل.. نحن لسنا في حاجة إلى أن نقول ان اسم الخليج العربي العزيز على كل بيت في الخليج هو اختيار موفق من اللجنة لتسمية دورينا، فإن الاسم يرسم في خيال كل منا صورة لأخوة صادقة ومحبة تجمعنا، ومصيراً مشتركاً يحتوينا كلنا فيه معاً، فالبيت الخليجي أيضاً موحد بفضل الله وفضل قادتنا ووعيهم حفظهم الله.. ومن هنا أطلقها دعوة لكل دول الخليج العربي أن يكون اسم الدوري فيها في الموسم المقبل هو «دوري الخليج العربي».
yakoob.alsaadi@admedia.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .