مخرج مشرف
ربما كان الرئيس اليمني علي عبدالله صالح « محظوظاً » بالشظية التي أصابته في قصف استهدف المسجد الرئاسي، واستقرت أسفل القلب، وأجبرته على السفر إلى المملكة العربية السعودية للعلاج.
الإصابة ستتيح لصالح مخرجاً قد يعتبره مشرفاً، فبعد أسابيع من التظاهرات ضده، وعجز أجهزته الأمنية عن فض التظاهرات بالقوة أو إخماد جذوتها، رغم مئات الشهداء، قد يجد صالح في الشظية « ضالته ».
الشظية ستعطي الفرصة لصالح للحديث عن صموده، وأنه لم يغادر البلاد إلا مصاباً إصابة خطرة، ولم يترك الحكم مهرولاً إلى الخارج كما فعل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، أو تحت ضغط التظاهرات كما فعل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك.
الحديث عن المخرج المشرف قاسم مشترك في الحلول المقترحة عند اندلاع الثورات، لكنه في الأغلب « لاينضج »، بسبب تعنت الحاكم الديكتاتور.
ترددت عبارة « الخروج المشرف » كثيراً خلال ثورة 25 يناير في مصر، وانتهى الأمر بتنحي مبارك، وتقديمه إلى المحاكمة باتهامات عدة، وبحث عنه من قبل بن علي، فلم يهتد إليه، رغم أن الأمر لم يكن يحتاج من الحاكم إلا التعلم من لاعبي الكرة الأذكياء، الذين يختارون الاعتزال وهم في قمة العطاء، قبل أن تُستهجن كل تمريرة أو تسديدة أو لعبة يقومون بها.
المشكلة الأساسية ليست في عدم وجود مخارج مشرفة، بل في إصرار الديكتاتور على رفض أي حل، مادام سيؤدي إلى خروجه من سدة الحكم، وبالتالي يناور ويحاول أن يستمر في خداع الشعب، وحتى مقدمي الحلول والمبادرات، ويضطر تحت الضغوط إلى الاستجابة، لكنها تأتي متأخرة.
التوقيت في السياسة عنصر حاسم، فالتأخير في اتخاذ القرار قد يجعل كل نتائجه المحتملة غير فاعلة، والتأخير المستمر قد ينقل مستوى فعل الجماهير من المطالبة بإصلاحات إلى الثورة على النظام، أو كما كان يردد دائماً نقيب الصحافيين المصريين، الراحل كامل زهيري « إن الثورة إصلاح مؤجل »، وتأخير قرار التنحي يدفع الثوار إلى عدم الاكتفاء بإسقاط النظام والسعي إلى محاكمته.
الثوار غير مطالبين بالبحث عن مخرج مشرف لمن قتل ونهب وقمع، ولم يسلم من أجهزته القمعية حتى الأطفال الذين ربما كان لسان حالهم يردد أبيات أمير شعراء الرفض أمل دنقل، في كلمات سبارتكوس الأخيرة:
يا قاتلي: إني صفحت عنك
في اللحظة التي استرحت بعدها مني:
استرحت منك
الحل المشرف وجدته كليوباترا، ملكة مصر في عصر البطالمة، في الانتحار بالسم، لكن يبدو أن كثيراً من الحكام ليسوا في شجاعة كليوباترا، ولا نطالبهم بذلك، لكن فقط ندعوهم إلى التعلم من لاعبي الكرة إذا كانوا غير قادرين على التعلم من دروس التاريخ.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .