إعدام ميت
الحكم بحل الحزب الوطني ـ الحاكم سابقاً ـ في مصر أشبه بإصدار حكم إعدام عادل على مجرم ميت سريرياً، كون الحزب الذي ولد في حجر أعلى سلطة في البلاد عام ،1978 فقد معظم مقومات وجوده، باستثناء المقار والأموال، بعد تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية يوم 11 فبراير الماضي.
لم أنتظر قرار تخلي مبارك عن السلطة كي أصل إلى اقتناع بأن الحزب انتهى، وأنه في طريقه إلى الزوال، إذ أوحى مشهد النيران المشتعلة في مبنى الحزب على كورنيش النيل أياماً عدة خلال ثورة يناير، من دون أن يأسى عليه ملايين المصريين، أن كلمة النهاية قد حان موعدها.
حكم المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب وتصفية أمواله ونقل ملكية جميع مقاره إلى الدولة، لم يمنع الأعضاء من تأسيس حزب جديد، أو المشاركة في أحزاب قائمة أو جديدة، لذلك كنت أتمنى لو كان الحكم خاصاً بالمقار والأموال، وهي في الأصل ملك للشعب، وترك الحزب لمصيره الذي يقرره المصريون.
لا خلاف على أن الفاعلين والقادة في الحزب الوطني كان لهم نصيب «الأسد والنمر والفيل أيضاً» في إفساد الحياة السياسية، وتدمير الاقتصاد الوطني، لكن حالة الفرح الكبيرة التي عبر عنها كتّاب ومحللون وسياسيون بحلّه، لا أجد لها مبرراً قوياً، لأن نهاية الحزب وتحلله حتمية.
«تحلل» الحزب الوطني كان حتمياً، لأن الأحزاب التي تولد بإرادة شعبية فقط هي التي تستطيع الحياة في الظروف المختلفة، في السلطة وخارجها، في المعارضة، وفي الائتلافات الحكومية، في ظل الثورات، وفي حكم الدكتاتوريات، لذلك لم يعد من أحزاب العهد الملكي في مصر (1923 ـ 1952) إلا حزب الوفد الجديد، أما الأحزاب التي نشأت وتربت في كنف القصر، فلم يعد لها أي وجود إلا في كتب التاريخ.
فالأحزاب التي تولد في السلطة، وبقرار فوقي منها، يلتف حولها الانتهازيون والمنتفعون، وينفضون عنها بعد زوال السلطة، فما بالنا بحزب عرف منذ تأسيسه بحزب «المهرولين»، وهم أغلبية أعضائه الذين تركوا حزب مصر العربي الاشتراكي، الذي كان يترأسه ممدوح سالم، رئيس الوزراء آنذاك، لينضموا إلى الحزب الذي أسسه رئيس الجمهورية أنور السادات؟!
قرار «الهرولة» لم يقتصر على الأعضاء، بل استولى الحزب الوطني على أموال ومقار حزب مصر، وريث الاتحاد الاشتراكي، التنظيم السياسي الوحيد في الستينات، حتى عام ،1977 عندما سُمح بتشكيل الأحزاب في مصر للمرة الأولى منذ عام .1953
حزب «المهرولين» الذي نشأ بقرار فوقي، وأفسد الحياة السياسية والاقتصادية، ونجحت الأغلبية العظمى من مرشحيه في الانتخابات بالتزوير، كنت أتمنى أن «يتحلل»، لا أن يُمنح «شرف الحل»، ولو بحكم قضائي.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .