رياح صفراء

تعرّضت البلاد لموجة من تقلبات الطقس، صاحبتها عواصف رعدية ورياح متربة، جعلتني أتذكر مقابلة تلفزيونية جرت قبل أيام قلائل مع مشعوذ ليبي، عبر الفضائية الليبية، إذ قرأ رسالة من أحد ملوك الجن، يسلط فيها رياحاً صفراء على الإمارات وقطر، وهكذا صدقت نبوءة هذا المشعوذ الذي خرج علينا بكذبه وجهله وتدليسه عبر قناة حكومية رسمية للجماهيرية العظمى، ليبث خطاباً متخلفاً يحتقر فيه عقلية الشعب العربي الذي تحرر، روحاً وجسداً وفكراً، من كل وسائل الخداع والتلبيس، فقد وصلنا اليوم إلى مرحلة يكاد فيها الطفل أن يفرّق بين الرسالة الصادقة وتلك المملوءة بالأكاذيب والافتراءات.

وفي ذات السياق، فقد انبرت منذ أيام أيضاً قناة عربية، لم يعرف إليها القرآن الكريم طريقاً منذ عقود طويلة، وإذا بها فجأة تستشهد في كل موضع بالآية الكريمة {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}.

لقد وصل إفلاس الخطاب الإعلامي لدى الأنظمة المستبدة إلى الاستعانة بالقرآن الكريم، الذي تجاهلته طويلاً، لمحاربة كل من ينقل الحقيقة، فكلهم فسقة يجب الحذر منهم «ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار»، علماً بأنه قد كان يرى القرآن في زمن خلا طريق المتطرفين وغير العقلانيين وملاذاً للرجعية والتخلف. ولا أدري لماذا يُجتزأ القرآن في نصوص تخدم مآربهم، علماً بأن القرآن مملوء أيضاً بآيات أُخر ضد الظلم والاستبداد والقتل وأكل أموال الناس وغيرها.

ثورات الربيع العربي عليها أولاً محاكمة هؤلاء الكذابين، الذين يروجون الكذب، ويسايرون الظالم، ويدنسون الحقيقة، ويرقّعون فساد النظام، فالرسالة الإعلامية دورها الحقيقي هو أن تجسد نبض الشارع، وأن تكون مرآة حقيقية لهموم الناس، فليس من المعقول ونحن في القرن الـ21 أن يسلط علينا أحدهم ملوك الجن، عقاباً لنا لأننا اخترنا أن نكون مع الشعب الليبي، دفاعاً عن حريته وكرامته.

هذه العقليات التي تدير شعوباً بأكملها هي التي ظنت طويلاً أن الشعب مجرد قطيع يساق كيفما شاءت، وها هي اليوم مذهولة إزاء رفض حاسم لكل هذه السنين من الأكاذيب والخداع، فالشعوب ليست غافلة، ولن تعود كذلك بعد اليوم، فلذلك كان على الخطاب الإعلامي أن يبحث عن أسلوب متحضر ومدرك لضرورات المرحلة، بعيداً عن تمثيليات بلهاء لتمرير رسائل مفضوحة لا تخفى على أي لبيب.

مضحك أمر هذه العقليات، ومثير للشفقة، فقد مضى زمن التدجين والانسياق، وبات الوعي هو لسان حال الأمي قبل المتعلم.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

الأكثر مشاركة