النيات الطيبة لا تحقن الدماء
ليلة قاسية عاشتها مصر مع عودة الرصاص الحي وإراقة دماء في ميدان التحرير، لأول مرة، منذ تنحي الرئيس السابق.
قتيل و71 جريحا، بحسب إعلان وزارة الصحة، أصابوا المصريين بالصدمة في «جمعة التطهير والمحاكمة»، التي انتهت بفض اعتصام بالقوة، وبتصريحات سياسية لم تُنهِ حالة القلق.
القوى السياسية نفت أن تكون دعت إلى اعتصام أو المبيت في ميدان التحرير، بعد «مليونية» التطهير والمحاكمة، وإنما دعت الى تظاهرة تنتهي مع بدء سريان حظر التجول.
الجيش أعلن أنه لم يطلق رصاصة واحدة في ميدان التحرير على المتظاهرين، واللجنة التنسيقية لجماهير الثورة أكدت أن «العلاقة بين الجيش والشعب خط أحمر، لن نسمح لأحد بإفسادها، حتى يتم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، ويتسلم ممثلو الشعب المنتخبون السلطة، ويعود الجيش إلى ثكناته، بعدما يؤدي مهمته حارساً مؤتمناً علي الثورة». الجيش أيضا تحدث، ربما للمرة الاولى، عن فلول النظام السابق واتهم أحد كبار قيادات الحزب الوطني بالمسؤولية عن الأحداث، صدمة الجماهير جاءت كون هذه المرة الاولى التي يراق فيها الدم بالرصاص الحي، بعد أن نجحت الثورة في إجبار الرئيس السابق على التنحي، وتعيين مرشحها الدكتور عصام شرف رئيسا للوزراء، خلفا للفريق أحمد شفيق الذي وجهت إليه اتهامات سياسية بالتلكؤ في تحقيقات ما اصطلح على تسميته «موقعة الجمل»، والمجزرة التي قام بها قناصة بعد ذلك بساعات.
التحقيقات في المجزرة لم تصل إلى نتيجة حتى الآن، ونخشى أن تكون قد وصلت إلى «طريق مسدود»، بعد أن أكدت أجهزة الشرطة أن الأسلحة التي استخدمها القناصة لم تكن لديها في يوم من الأيام، وهو ما يدعو الناس إلى المطالبة بالإسراع في الوصول إلى الفاعل في القضية الجديدة، لردع فاعلين محتملين.
لا أدري إن كان الدم المسفوك قد أصاب كثيراً من السياسيين بالارتباك، فتسابقوا إلى التصريح والتأكيد على أشياء أصبحت من المسلمات، أم أن الارتباك كان سببا في عدم تأمين الميدان بشكل كافٍ، لمنع انضمام عناصر من الثورة المضادة أو من فلول النظام السابق.
قبل تنحي الرئيس السابق، كان متظاهرون يقومون بتفتيش الداخلين على ثلاثة حواجز متتالية، بالإضافة إلى التأكد من هوية كل شخص بالتدقيق في بطاقة الرقم القومي، فهل تم هذا يوم الجمعة الماضي؟ وهل تأكد أحد من هوية من يرتدون الزي العسكري قبل أن ينضموا إلى المتظاهرين؟ وهل انتبه أحد إلى تحذير صدر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم الخميس الماضي من عمليات انتحال للصفة وارتداء الملابس العسكرية؟ وهل انتبه أحد إلى أن هذا يعني أن شيئا ما قد يحدث ويجب الحذر منه؟ الأسئلة عدة والحذر واجب، لأن النيات الطيبة وحدها لا تحقن الدماء!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .