أبواب

ما بعد غزة

يوسف ضمرة

كنتُ كتبت من قبل مقالاً يحمل تساؤلاً مشروعاً هو: كيف نكتب غزة أدبياً؟

أتذكر ذلك ونحن نحيي الذكرى الثانية للمجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد أهلنا هناك، ونغمة التهديد التي تتصاعد كل يوم بتكرار المجزرة.

الغريب في الأمر، هو أن العالم اليوم مشغول بالتحليلات والتقديرات المتعلقة باحتمالات العدوان وتوسيعه، وكأنه (هذا العالم) ينسى الحصار الإرهابي الذي يمارسه العدو الصهيوني منذ أكثر من ثلاث سنوات.

لسنا في صدد عتاب العالم أو ملامته أو زجره، فقد اكتشفنا منذ عقود عدة، أن هذا العالم محكوم بعناصر القوة التي تمسك بها مجموعة من الشركات التي تقوم بتسيير الدول، واختيار حكامها وقادتها، وتوجيههم بما يناسب حجم مكتسباتها، بصرف النظر عن ازدياد معدلات الفقر والجوع والبطالة، وبصرف النظر عن تركز الثروة في أيدي حفنة قليلة جداً على هذه الأرض.

وبالعودة إلى غزة، وإلى سؤالنا السابق، يتبين لنا أن الأمر ليس محصوراً في غزة وحدها، فبينما كان أدب المقاومة منتعشاً جداً حين كانت حركة المقاومة الفلسطينية في الخارج قبل اتفاقية أوسلو، كان الداخل أيضاً يتحرك في السياق نفسه، وإن في مستوى أقل، بالنظر إلى تضييق العدو الصهيوني على الكتّاب والمبدعين. وكلنا يذكر جيداً أننا عرفنا محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وحنا أبوحنا وإميل حبيبي ومحمد نفاع، في مرحلة صعود المقاومة الفلسطينية في الخارج، وقد دفع هذا الصعود بكتاب من فلسطين المحتلة إلى الخروج منها والالتحاق بالمقاومة، كمحمود درويش وتوفيق فياض، إضافة إلى من أبعدهم العدو قسراً مثل محمود شقير وخليل السواحري، ناهيك عن الكتّاب الفلسطينيين الذين كانوا مقيمين في أقطار عربية أخرى، وأهمها الأردن، حيث التحق العديد من الكتاب بالمقاومة، وكبروا معها وعُرفوا من خلالها، حين كانت بيروت مركزاً لأدب المقاومة.

واليوم، وبعد خروج المقاومة من بيروت، وعبورها إلى فلسطين تحت الاحتلال، أخذت أسماء العديد من كتاب المقاومة في التنحي تدريجياً، خصوصاً أولئك الذين عادوا من الخارج، فابتعدت أصوات عدة مثل غسان زقطان وزكريا محمد ويحيى يخلف وتوفيق فياض ورشاد أبوشاور، ولم تتمكن الأسماء الجديدة من الخروج لإعلاء صوتها في الخارج. وبالتوازي مع هذا الانكفاء، انكفأت أصوات الفلسطينيين الذين ظهروا في الداخل، فغابت أسماء محمد نفاع وحنا أبوحنا وسميح القاسم وغيرها، ولم يتبق من كل ذلك سوى صوت محمود شقير، الذي يواظب على الكتابة ملتزماً بموقفه الذي بدأه في «خبز الآخرين»، مع تطوير كبير في تقنياته الفنية، على الرغم من عمر تجربته الطويلة، ولا أذكر أنني قرأت نصاً أدبياً عن غزة من غير محمود شقير، حسب ما أتيح لي من متابعة.

أين يكمن الخلل أو المشكلة إذاً؟

ربما يكون الأمر عائداً إلى هذا الارتباك في الرؤية الفلسطينية، الذي يتجسد الآن في الانقسام الكبير بين أكبر حركتين في صفوف الفلسطينيين، فغياب رؤية جامعة أو مهيمنة في مجتمع ما، وسيادة رؤى عدة لمستقبل شعب واحد، يجعلان من الصعب على كتابه ومثقفيه أن يحصنوا أنفسهم ضد ارتباك الرؤية، الأمر الذي يأخذهم إلى مساحات أخرى قد لا تكون متجانسة، كالتباين في الاهتمامات الثقافية، وإلى الصمت الذي يشكل موقفاً في حد ذاته.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر