إنهم يسرقون أحذيتنا
أجميعنا يحظى بقسط كافٍ من الممارسات والمظاهر المتكلفة، فالتكلف ليس شيئاً سيئاً في جميع الأحوال، بل قد يكون ضرورياً في أحايين كثيرة، إذ لو كان المجال مفتوحاً على مصراعيه أمامنا لنتصرّف بعفوية، لخرج كثير منا إلى الشارع بملابسه الداخلية، ولما وجد البعض حرجاً من الاستحمام في دورات المياه العامة.
إلا أن هناك نوعاً آخر من التكلف، نوع بشع وبغيض ونمارسه بشكل شبه يومي في هذا الجزء من الكرة الأرضية. تكلف مشؤوم يعيش في «المولات» ومحال الأحذية والأزياء، ويتغذى على جيوب ضعاف النفوس الذين يلهثون وراء أسماء «الماركات» السخيفة.
أللأسف لم أكن أعرف كم أنا ضعيف عندما يتعلق الأمر بشراء نعال إلا عندما خرجت من أحد المحال التي يدخلها المرء للفرجة لا للشراء، وفي قدمي نعال دفعت ثمنه الخيالي من مبلغ خصصته للمساهمة في بناء منزل لعائلة مشردة. نعال رأسمالي جشع كان بإمكاني أن أبني منزلاً بقيمته وأطعم عائلة فقيرة لخمس سنوات عجاف قادمات، بل وإطعام كل أفراد القرية.
أومثلما خطفت خمس سنوات من عمر تلك العائلة المشردة ووطئت تلك السنوات بنعالي «الماركة»، خطفت مني «الكارما» صوابي وتركتني ألملم بقايا أفكاري المضطربة على وقع أشنع عملية سرقة أتعرض لها في حياتي. كنت قد سمعت عن سرقات تتم على جميع المستويات والصعد، وحرامية ينهبون كل شيء، بدءاً من المحافظ وحقائب اليد، مروراً بالسيارات والأجهزة الإلكترونية الثقيلة والخفيفة، وليس انتهاءً بالشعوب والدول. لكن أن يسرق المرء نعالاً، ومن أمام مسجد لله، فهذا المنكر بعينه!
فإن لم يردع المرء الذوق السليم، يردعه الدين عن هذا المستوى الهابط من السرقة، لكن لا ذوق ولا دين ولا عزة نفس، فهذا أمر عجيب!
بالطبع لا أحمّل السارق المسؤولية كاملة، فأنا من ذهب إلى المسجد بنعال باهظ الثمن، ومن عاد ليبحث عنه - بغباء - في المكان الذي وضعته فيه معتقداً للحظة أن العالم أصبح صالحاً بين الأذان والإقامة.
أنقلت ما حصل معي لصديق أمازيغي من ليبيا، فحكى لي - في محاولة منه لرفع معنوياتي - عن حادثة مشابهة وقعت لشيخه الضرير. كان أهل الواحة التي يعيش فيها يحبون هذا الشيخ ويحترمونه، وقد سبقه هذا الصيت الحسن إلى واحة مجاورة في الصحراء الكبرى، وفي إحدى زيارات الشيخ لتلك الواحة وبينما كان يهم بالخروج من حفل ديني أقيم في أحد مساجدها، تفقّد «شبشبه» الصحراوي فلم يجده فى مكانه، وما إن علم الحضور بالأمر -وكانوا أهل مودة وكرم وأخلاق على عكس اللص اللئيم الذي سرق نعالي - أحضر كل منهم إلى الشيخ حذاء بدل «الشبشب» الصحراوي، وكلهم يدّعي بأدب جم أنه قد لبسه عن طريق الخطأ! فعاد الشيخ إلى دياره وعلى ظهره كيس كبير بداخله العديد من أحذية أهل الكرم.
أما أنا فعدت إلى داري بقدمين حافيتين، وأنا أشتم وأسب - في داخلي - ذلك اللص الحقير.