الأمير والإسلام

بين التفكير الإيجابي في التواصل والاندماج بين ثقافتنا وثقافة الغرب، وبين التعصب الأعمى في المناداة بحرق القرآن، لكونه يمثل أعلى قيمة لدى المسلمين، فارق كبير هو ذاته الفارق بين الأمير تشارلز وبين تيري جونز القس الأميركي صاحب دعوة «حرق القرآن»، لقد امتدح ولي العهد البريطاني في محاضرة ألقاها، أخيراً، في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية تعاليم القرآن ونمط العيش التقليدي في الإسلام، مؤكداً أهمية مفهوم التوحيد الذي يعني وحدانية الخالق، مستشهداً بابن خلدون وبرؤية الإسلام تجاه «خضوع جميع المخلوقات لنظام واحد ومنضبط»، هذا الطرح العقلاني والواقعي بعيداً عن ثقافة الإلغاء والتحريض التي يعمد إليها البعض من الجهلة والحاقدين، هو بالتأكيد المؤمّل من القيادي والمثقف والسياسي الذي يدرك تمام الإدراك معنى أن تختلف أو تتفق مع الآخر، من دون أن يكون هناك استفزاز عبثي أو ضحايا لا ذنب لهم.

محاضرة الأمير تشارلز كان موضوعها «الإسلام والبيئة»، وما يحمله ديننا من قيم ومبادئ سامية تحرص على انسجام الإنسان مع بيئته والعيش معها في توافق مستدام دون إفراط أو تفريط، ولا شك في أن هذا يمثل إشارة واضحة إلى مقدار الوعي والفهم لدور الإسلام وعالمية مبادئه، خصوصاً في وقت يواجه العالم مشكلات جمة، من احترار كوكبي، وفقر، وفيضانات، وأزمات عدة لا تحصى.

كما عرج الأمير المثقف إلى التأكيد على مبدأ «الوسطية» الذي أسس لتوازن في العلاقات في المنظومة الإنسانية عموماً، ودور الإسلام في الارتقاء بالحضارة البشرية، من خلال نِتاج ثريّ بالحكمة والمعرفة الروحية والتراث العلمي العظيم الذي أنار العالم في عصره الذهبي، خصوصاً في القرنين التاسع والعاشر.

هناك لدى الغرب أصواتٌ تُدافع عن الإسلام عن يقين واقتناع، وإن لم تعتنق عقيدته، يحدُوها في ذلك قيم ومبادئ الحرية والتسامح، لكننا نشكو عدم قدرتنا على إيصال فكرنا إلى قطاعات وشرائح عدة في أصقاع العالم بصورة فاعلة ومؤثرة على المدى الطويل، رغم كل ما لدينا من فكر وقيم وحضارة وإمكانات، تجعل طرحنا ذا قبول إنساني عالمي يعزز صورة الإسلام الحقّة. وفي المقابل هناك معاول حاقدة ومنظمات متخصصة للنيل من الإسلام، والتشهير بمن يدافع عن ديننا، وهي نفسها تدّعي اليوم أن كلاً من الأمير البريطاني والرئيس الأميركي هما في الحقيقة مسلمان يخفيان إسلامهما!

بالتأكيد ديننا لا يحتاج إلى من يدافع عنه، لأنه ليس في موضع اتهام، لكن رغم هذا علينا أن نساند أمثال هؤلاء، وكل مفكر شريف يَثِبُ للدفاع عن المبدأ والعقيدة، ويبقى أن نؤمن نحن، في أعماق أنفسنا، بأننا خير أمة أخرجت للناس، ونَصْدُق أنفسنا أننا نليق بدين عظيم كالإسلام، في عقيدته ومنهجه وشرعه.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
 

الأكثر مشاركة