‏القصيدة في محيطها‏

‏لعل أهمأ تجلية نقدية يمكن أن تحدث في معاينة قصيدة المقاومة، تكمن في تخليصها من مبدأ التعاطف مع فلسطين قضيةً كبرى اقترن بها الأدب المقاوم، اقتراناً جعل من بعض الشعراء والنقاد يصرون على أن هذا الأدب هو أدب جنسية وجغرافية ومسقط رأس ومنظمات، وليس أدباً عربياً تبلور في منطقة النكبة من المحيط إلى الخليج.

ربما يكون جرح الشاعر الفلسطيني أوسع من جروح غيره،أ ولكن هذا الجرح لا يعطي الحق لشاعر نحبه أو نمقته، لا فرق، أن يصر في حوار معه نُشر قبل أيام على أنه شاعر المقاومة الوحيد، ويستبعد معظم الشعراء الفلسطينيين، ويستخف بالشعراء العرب؛ على اعتبار أن مسقط الرأس هو الأهم، وان فلسطين يمكن أن تكون لشاعر استحواذي تعلّق بجده كنعان أكثر من غيره من الأحفاد.

ولئلا يبقى الموضوع بلا شاهد وشهيد، نتساءلأ هل يمكن أن نحذف جملة من آراء النقاد التي بينت ان مصطلح المقاومة لا يمكن أن يحصر بشعراء فلسطين تحت الاحتلال وفي المهاجر، وان قصيدةأ المقاومة عند أمل دنقل ومحمد الماغوط وصلاح عبدالصبور ونزار قباني، وغيرهم، يمكن أن تدل على دقة هذا التوصيف، كما يمكن ان تدل على ان المقاومة من خلال القصيدة أوسع من بلدة أو رقعة، وان الشعر العربي في جله قد انتمى الى قصيدة المقاومة بأنواعها المتعددة من خلالأ المقاومة على نحو صريح ومباشر، اضافة إلى مقاومة صور القبح والظلم والاضطهاد والتهميش التي اعتبرت فلسطين قضية مركزية لا قضية فرعية، أو محطة نضال ثانية.

إن القول، من خلال الأنا، أو من خلال هيمنة ظلالها المتضخمة، ان الاستجابة الشعرية لنكبة فلسطين محصورة في شاعر أو شاعرين، تتطلب وقفةأ نقدية صارمة، تؤكد أن قصيدة المقاومة ليست طائرة مخطوفة، وان أرشيفها المدوّنأ يدل على الجهد الجمعي الذي بذل من قبل شعراء لم يسقطوا في فخ الصراخ المنبري، ولايزال العديد منهم يحظى باحترام الوجدان العربي، بغض النظر عن وجودهم ضمن هوية قطرية، أو وجودهم في فلسطين المحتلة نفسها.

ميزة الشاعر الراحل محمود درويش أنه كان يعرف ـ خصوصاً بعد مرحلة بيروت ـ أن قصيدة المقاومة ليست ماركة مسجلة للفلسطينيين، بل انه في أكثر من مناسبة حاول التخلص من قفص هذا المصطلح، وقلما كان يوظف الحدث الفلسطيني توظيفاً جغرافياً، وان وظف، فإن هذا التوظيف يأتي على شكل وعي انساني عميق بالاحتلال ونقده، سواء في فلسطين أو في بلدان العالم التي عانت مما عانت منه فلسطين المحتلة.

أوبناء على ما تقدم؛ لابد من القول إن فلسطين التي خطفت من قبل السياسيين، يجب ألا تخطف البتة من قبل بعض الشعراء، لأن وجودها محتلةً أكبر من وجود أي شاعر يحب أن يقاوم وحده، بغض النظر عن مدى اخلاصه لها، او حتىأ لنفسه التي تريد أن تحتل قصيدة المقاومة في غمرة نسيانهاأ أن الأساس في تحرير فلسطين يكمن في جمع الناس حولها، بدلاً من الانشغال بمحاصصة ليست بريئةأ على كعكة الشعر المقاوم، تؤكد وستظل تؤكد، اننا لم نكتب باسم فلسطين ومحبتها، وإنما كتبنا فلسطين لتكون مجرد تجربة شعرية لنا.‏

zeyad_alanani@yahoo.com

الأكثر مشاركة