من المجالس

عادل محمد الراشد

في ظلمة الصباح الباكر تبدو أشباح أطفال صغار منزوية على أجناب الشوارع الداخلية بالأحياء. غبش يكاد يحجب الرؤية على بعد أمتار قليلة، ووحشة تسكن الطرقات الخالية من المارة، تقطعها زمجرة الحافلة المدرسية الضخمة المنطلقة بسرعة تتجاوز المسموح في تلك الطرقات، وزعيق «هرنها» في إشارة تنبيه عالية إلى الوصول وطلب الاستعداد للركوب. هؤلاء الصغار لايزالون غير آمنين من حوادث الحافلات المدرسية. فالوقت يغلفه الظلام، وأغلب السائقين لايكترثون لمعايير السلامة، وكثير منهم يريد أن يعوض تأخيره في الوصول بزيادة السرعة داخل الأحياء. وقد أحدث ذلك العديد من الحوادث السابقة في وضح النهار، والشعور بخطره تحت جنح الظلام يكون أشد. وقد كثر الحديث عن ضوابط عمل سائقي الحافلات المدرسية، ولكن لايزال أكثر هذه الضوابط غير موجود. ونتمنى ألا تسجل هذه السنة الدراسية والتاليات أي حادث دهس لطفل خرج من بيته مقبلاً على الحياة ليعود جثة بلا حياة. الحافلات المدرسية عندنا لاتزال غير آمنة، ليس بسبب منها أو من سائقيها فقط، وإنما بسبب غياب الإجراءات التنظيمية التي من شأنها إيجاد وعي عام يوزع المسؤوليات على كل أصحاب العلاقة. فحركة الحافلة في الشارع تبدو مثل حركة أي عربة أخرى، وفي هذا خلل كبير في النظام والتعامل العام مع سلامة الطلاب والطالبات. الحافلة المدرسية ليست كسائر العربات، إذا توقفت يفترض أن تتوقف معها حركة الشارع في الاتجاهين، وإذا سارت تكون لها الأفضلية، وإذا دخلت الأحياء فعليها مسؤوليات ولها حق التعاون من الجميع. وكل هذا لا تضبطه إجراءات واضحة، وأغلب سائقي الحافلات لا يكترثون للتعليمات بقدر اكتراثهم لضرورة الوصول قبل بداية الدوام، وإن كان الثمن روحاً بشرية غالية. تحسنت أحوال الحافلات المدرسية من حيث المواصفات وأسباب الراحة والمظهر الخارجي، ولكن حركتها لم تحرز تحسناً يتناسب مع تطور التشريعات المرورية وإجراءات السلامة ذات المعايير العالمية، وهذا يتطلب تحركاً على المستويين الإداري والقانوني وعلى المستوى الاجتماعي، ليتسنى صناعة وعي عام متعاون ومهتم بسلامة ركاب الحافلات المدرسية.

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر