البنوك وحرق الأعصاب

إذا أردت أن تفقد أعصابك في أي وقت فما عليك سوى إجراء مكالمة هاتفية لمركز الاتصال «كوول سنتر» الخاص بالبنك الذي تتعامل معه للاستفسار عن أي شيء.

وتبدأ القصة عادة بإجراءات طويلة من إدخال البيانات الخاصة بك، وفي النهاية تصل لموظف يحاول أن يبدو لطيفاً ومتعاوناً، لكنه عادة ما يرد بأدب بأنك غير معرّف على النظام، أو أن عليك الاتصال مجدداً، لأن النظام معطل، أو أن تتصل بعد ساعة حتى يتم إجراء تحديث على النظام لتكون معرّفاً لديه، وبالتالي يستطيع الإجابة عن تساؤلاتك.

ودائماً ما ينتهي الأمر بأن يخبرك موظف مركز الاتصال بأنه سيقوم بإعـداد شكوى حول موضوعك وسيرفعها للمسؤولين في البنك، ثم تتلقى بعد أيام اتصالاً يخبرك بأن الشكوى رفضت لأسباب اعتقد أن موظف البنك ذاته لا يفهمها.

وقد حاولت أكثر من مرة أن أفهم آلية عمل مراكز اتصال البنوك، وكانت كل معلوماتي عنها كصحافي أن هناك تقييماً لجودة الخدمـة التي تتم عبرها من قبل شركات متخصصة يجري موظفوها مكالمات سرية بمراكز الاتصال على أنهم عملاء للبنك، ويقيّمون رد الموظف ولياقته وقدرته على توصيل المعلومة وإنهاء المكالمة في الوقت المناسب وبطريقة ترضي العميل وتلبي متطلباته.

وذُهلت عندما تحدثت لعدد من الموظفين في مركز اتصال بنك كبير بعد أن تم الاستغناء عن خدماتهم، فأخبروني بأن المشكلة الحقيقية في أنهم يتحملون أخطاء جميع العاملين في البنك، خصوصاً موظفي المبيعات الذين يفرطون في شرح مزايا المنتجات المصرفية ولا يوضحون للعميل عيوبها أو الالتزامات الواجبة عليه من رسوم تأخير ورسوم خفية في معظم الأحوال.

كما تطرق الحديث للسُباب اليومي الذي يستقبله هؤلاء الموظفون والاتهامات التي تكال لهم بالجهل والغباء وعصبية العملاء الذين يتفاجأون بغرامات تأخير ورسوم لا يعلمون شيئاً عنها، فيصبون جام غضبهم على موظف مركز الاتصال الذي يقف عاجزاً عن الدفاع لعلمه بأن العميل قد يكون على حق فيكتفي بإعداد شكوى.

وأدهشني كثيراً ما علمته من موظف ذكر لي أن حجة أن العميل غير معرّف، أو أن النظام معطل هي حيلة لجأوا لها لأنهم عادة لا تتوافر لهم البرامج الإلكترونية التي تتيح الرد على العميل، فضلاً عن أن رواتبهم ضئيلة جداً بالمقارنة ببقية موظفي البنك الذين لا يواجهون غضب العملاء، وبالطبع كانت هذه الحجة مرفوضة، لأن ضعف الراتب لا يمكن أن يكون مبرراً لعدم جودة الخدمة المقدمة للعملاء.

وفي النهاية، خلصت لحقيقة وهي أن الحال ستبقى على ما هو عليه، وستظل البنوك تخدع عملاءها بمنتجات بها عيوب أكثر من المزايا، وبدلاً من أن يكون مركز الاتصال وسيلة لراحة العملاء وتلبية متطلباتهم سيظل وسيلة مضمونة لحرق الأعصاب.

 

hnaby11@gmail.com

الأكثر مشاركة