الظلم مرتع مبتغيه وخيم

الظلم له نشوة ولذة، قد يحمل صاحبه على الزهو والخيلاء، لظنه أنه قد حقق مأربه في هذه الحياة ولن يغلب بعدها، ولعله يأمن الحياة، ويظن أنه قد صفا له الزمان، وخلا له المكان، ولم يعد له منافس من بني الإنسان، وهذا في الحقيقة قصور في الفهم، وعدم دراية بطبائع البشر، وأنهم قد يستكينون لظرف حل بهم، وهو وقع الهزيمة المرير، لكن ذلك الحال سرعان ما يتبدل إذا ما لاحت فرصة الانتصار للنفس، فلا يتردد المغلوب من التشفّي بما يقدر عليه، وقد يقدر بما هو متاح له فيكون أثره كبيراً ودلالته خطيرة، وذلك ما عبر عنه أبو الفتح البستي بقوله:

لا يسـتخـفـنّ الفتـى بعــدوه       أبداً ولو كان العدو ضئيــلا

إن القذى يؤذي العيون قليله     ولربما جرح البعوض الفيلا

نعم ماذا يفعل فتى مثل «الزيدي» بزعيم لدولة عظمى، له جيش جرار، ونفوذ زخار، ومال مدرار، بزعيم تكنس له الأرض ليطأ على أمان، ويمشي في اطمئنان، بزعيم تخرّ له الجبابرة ساجدينا، طلباً لرضاه وطمعاً في محوه وإثباته، ذلك الفتى الذي يتميّز من الغيظ، ويتلهب كالقيظ، أتراه وقد سنحت له فرصة نادرة ليشفي عليله، ويروي غليله، بقذفه بما حملت يداه مما هو في متناوله، فلو كان يقدر على غير ما وصل إليه لما تأخر، ولكن ليس في الإمكان أبدع مما كان، لا تثريب عليه في نظري، فللمرء حق الدفاع عن نفسه ووطنه بما يمكنه، وهذه شريعة الله التي لا معقب عليها، فقد قال الله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِمَ} وهو قانون البشر الذي لا خلاف فيه بينهم، لكن ماذا يجري له الآن؟ أو قل ماذا سيجري لمثله إن عمل عمله؟ الجواب معروف، أما هو فقد جاد بنفسه ديانة أو وطنية أو قومية، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، وأما غيره فآمل ألاّ يحتاج صحافي أو غيره ليصل إلى مثل ذلك، والأجدر بالذكر أن يأخذ الناس العبرة من شؤم الظلم، وعاره وشناره، فأي زعيم نال مثل هذا؟ إن هذا لا يعرف في قاموس الزعماء! نعم قد يؤسرون ويقتلون، لكن مثل هذا لم يحصل في التاريخ القديم ولا الحديث، وإذا كان ابن الوردي يقول في لاميته:

لا توازى لذةُ الحكمِ بما        ذاقَها المرءُ إذا المرء انعزلْ

فماذا كان يقول: إذا المرء صفع؟ وبأي شيء صفع؟ وفي أي مكان صفع؟ وبيد من صفع؟ نعم قد يقول الشعراء كثيراً في هذا المقام، إلا أني أود أن يكون مثل هذا عبرة لا شماتة فكفى شماتة، عبرة لمن يستمرئون الظلم ويحتلون الشعوب بالحديد والنار! ويعلم الجميع أن الناس لا يرضون بالضيم والقهر، وإن وجدوا من يصفّق لهم ليعيشوا في كنفهم، إلا أن غيرهم لا يرضون وإن سكتوا فهو سكوت المنتظر المترقب، وكما قالوا: وفي الزند نار وهو في اللمس بارد. اللهم لا شماتة ولكن عبرة لأولي الأبصار.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دبي

الأكثر مشاركة