إلا التجنيس

بعيداً عن الدخول في جدل بشأن جدوى التجنيس كحل للتركيبة السكانية، وبعيداً أيضاً عن منطقية هذا الخيار من عدمه، إذا ما تمت مقارنة أعداد الملايين من الوافدين بمئات الآلاف من المواطنين، فكم ألفاً ستجنس حتى تميل التركيبة هذه؟ غير أنّ قراراً استراتيجياً كهذا، من المهم أن يترك لمواطني الإمارات مناقشته وتحديد سلبياته وإيجابياته وقبوله أو رفضه، أمّا أن يأتي المقيمون، أو لنقل تحديداً غير الإماراتيين، ويعطون آراءً هي أقرب إلى العاطفة منها إلى المصلحة العامة، فهذا بالتأكيد سيقلل من موضوعية آرائهم المطروحة، وسيبدون أقرب إلى الضعف، منهم إلى الحقيقة المجردة من العواطف.

أي رأي يحمل في أبعاده شيئاً من العاطفة، والقلة هي تلك التي تفصل تماماً في نظرتها بين العقل والعاطفة، أمّا إذا كان لأي منا مصلحة في هذا القرار أو ذاك، فبالتأكيد سننتقل، وربما بلا إدراك وعن طريق اللاوعي، إلى جانب معين من هذا القرار. وما يحدث من مناقشات جادة، ينقلها البعض من المقيمين لأعمدة الصحف، داخل الإمارات وخارجها أحياناً، حول ضرورة اتجاه الإمارات للتجنيس، يمكن أخذه على أنه انتهاك للموضوعية الخالصة، وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.

المتابعون للشأن الإماراتي يستطيعون بكل سهولة أن يرصدوا الكثير من المواطنين وهم يعترضون على التجنيس كأحد الحلول للقضاء على معضلة التركيبة السكانية، في حين أنّ كثيراً من المقيمين، وهنا المفارقة، يتجهون إلى تأييد ذلك الحل والدفاع عنه بكل ما أوتوا من قوة، حتى ولو كان صراعاً كلامياً، بل إننا نشهد تطرفاً في الرأي من الجهتين، فإذا عذرنا أبناء الوطن في تطرفهم في ما يرونه مصلحة وطنهم، فكيف نفسر التطرف الآخر، في قرار لا ناقة لهم فيه ولا جمل، أين يمكن أن نجد للصدقية موطِئ قدم في مثل هذه الحالات؟.

صحيح أن هناك من يخلط بين اختيار المتميزين من المقيمين لتجنيسهم، وبين فتح الباب على مصراعيه لتجنيس كل من هبّ ودبّ، فقط لأنه قضى سنوات عدة في هذا البلد، لكن في الوقت نفسه لابد من الاعتراف بأن هناك من أساء للمقيمين، خصوصاً العرب منهم، وهو يظن أنه يخدمهم، فهؤلاء المقيمون لديهم أوطان يعتزون بها، ويعشقون ترابها، ويذودون بأرواحهم عنها، فمن غير المعقول تصويرهم وكأنهم يقفون على باب استجداء أي جنسية كانت.

سيظل قرار التجنيس من عدمه، من مسؤولية أبناء الإمارات فقط، لا يحتمل التدخل من أيّ كان، لا يوجد في الأمر حساسية من هذا أو ضدّ ذاك، ولا تحامل على أي فئة كانت، فلو عكسنا الآية وذهبنا لأي بلد في العالم لكان من حق أهلها، لا غيرهم، تحديد قراراتهم الاستراتيجية، فلماذا هنا فقط يُراد أن يجوز لغير المواطنين ما لا يجوز لهم حتى في أوطانهم؟!

الأكثر مشاركة