العلاقة بين الرواية والفيلم.. أمانة أم خيانة؟

قيس الزبيدي

واحدة من تظاهرات مهرجان دمشق السينمائي الدولي خصصت للرواية والمسرح في السينما، وعرضت فيها ثمانية أفلام سورية معدة عن روايات ومسرحيات لحنا مينه، وسعد الله ونوس، وغسان كنفاني، وغيرهم. ولعله ليس من باب المصادفة أن يعرض أيضاً فيلم «حسيبة» لريمون بطرس عن رواية الكاتب خيري الذهبي في المسابقة. ومع أن المخرج يؤكد، في المقابلات، انه قام بتحويل الرواية إلى فيلم وفقاً لرؤاه السينمائية، إلا أن الكاتب يرى أن المخرج كان أميناً للرواية أكثر من اللازم، ويعتقد بأنه لو خفف، أو قلل، من بعض أحداث الرواية لكانت الحال أسهل على المشاهد!

ما هي يا ترى القواسم المشتركة بين العمل الأدبي والعمل السينمائي؟

«قارئ الرواية يعيد صياغة الشخصية حسب مخيلته، أما مشاهد الفيلم فليس أمامه سوى خيال صانع الفيلم المجسد على الشاشة»!

وفق هذه المعادلة يقترح الذهبي: «على المخرج إذا أراد العمل على نصّ روائي عليه أن ينسى الرواية، ويعالجها برؤية سينمائية، ويصنع منها نصاً لا علاقة له بالنص المكتوب تقريباً. وفق هذا المبدأ لا يجوز للنقاد المقارنة ما بين الرواية الأدبية والفيلم السينمائي: بين المقروء والمرئي؛ لأنه في معظم الأحيان، لا تستطيع الصورة أن تنقل التوسع الهائل في الكتابة الرمزية؛ لأنها محدودة بالمقارنة مع اللغة».

المشكلة دائماً ليست بين السينمائي والأدبي، المشكلة بين تصورين: أولهما يتجسد في كلمات منقولة على الورق، وثانيهما يتجسد في صور وأصوات منقولة على الشاشة. تكمن قوة اللغة في استعمال علامات يتباين فيها الدال والمدلول، بينما تكمن قوة الفيلم في استعمال علامات لا تعرف مثل هذا التباين. فالكلمات هي رموز اصطلاحية ينوب فيها الدال عن المدلول على أساس المواضعة، اما الصور فهي علامات ايقونية، تقوم نفسها على أساس المشابهة. على هذا تملك الكلمة علاقة غير مباشرة بما تدل عليه، أما الصورة، فتملك علاقة مباشرة بما تصوره.

ولعله من الخطأ الحديث عما يسمى بترجمة الرواية إلى الفيلم، لأن الصحيح أن يقال تحويل الرواية الى فيلم، ونحن نسترشد هنا بوجهة نظر جوليا كريستيفا، والتي تعتبر مقولة التحويل بمثابة تحويل منظم للغة من طرف لغة أخرى، ولنص معين، من طرف نص آخر، وليس بمثابة نقل لمدلولات خالصة (من لسان لآخر أو داخل لسان واحد) تترك فيه الأداة الدالة ـ الدال ـ عـذراء لم يمسها التحوّل. يعترف تاركوفسكي «إنني اعتقد بأن السيناريو الحقيقي هو الذي لا يفترض أن يحدث بذاته، أثناء القراءة، التأثير الحاسم، إذ تبقى الحسابات كلها قائمة على انه سيتحول إلى فيلم؛ وعندئذ فقط يتخذ صيغته النهائية». ويعترف ماركيز نفسه، بأنه لم يرَ على الشاشة مطلقاً صورة فيلمية واحدة يمكنه أن يقول إنها له. ومع انه كتب سيناريوهات عدة، فإن ما كان يشاهده على الشاشة ليس هو على الإطلاق ما كان يجول بذهنه، فهو يتخيل الكادرات أو الصور بشكل يختلف عما يصنع المخرج من هذه الصور على طريقته.
تويتر