الكتاب

على خلاف الوصف الذي يطلقه كثيرون علينا بأننا «أمة اقرأ»، فإن هذا الوصف لم يعد ينطبق مع حال القراءة في الوطن العربي، إذ إن مؤشرات عدة تبين أننا أصبحنا «أمة تفرّج»، وخصوصاً مع انتشار الفضائيات التلفزيونية، إذ أصبحت الصورة التلفزيونية تحتل مساحة كبيرة من الوقت، بينما الكتاب أصبح «يتيماً» في ديار البث الفضائي.  ليس اللوم هنا على انتشار الفضائيات أو فضاءات الإنترنت، إنما «الداء» يبدأ من البيت فالمدرسة والجامعة والشارع أيضاً.


القراءة فعل معرفي وجمالي وإنساني، أصبحت تتراجع لدينا، على الرغم من تنظيم معارض للكتب على امتداد الوطن العربي، إذ إن واقع النشر والقراءة لا يزال «مأساوياً»، كما أوضح  الباحث في العلوم الثقافية الحبيب الإمام في كتاب له بعنوان «الاقتصاد الثقافي»، أن نصيب كل مليون مواطن عربي من الكتب لا يتجاوز  30 عنواناً، حسب تقرير لليونسكو، في حين يصل نصيب كل مليون أوروبي إلى 485 عنواناً، وفي أميركا يبلغ نصيب المليون 212 عنواناً. هذه الأرقام، تكشف قراءاتها عن خلل ليس هيّناً، خصوصاً إذا ما عرفنا أن واقع نشر الكتاب العربي لا يزال «مأساوياً» أيضاً، علاوة على طبيعة الموضوعات التي تتناولها هذه الكتب، ونسب النوزيع الذي يشير كثيرون إلى تدنّيه بصورة كبيرة.


 ماذا تعني هذه الأرقام؟ هل تعني أننا بخير؟ من الواضح أننا لسنا كذلك. ومن الواضح أننا أصبحنا رهائن صورة مسطحة، ليست ذات أبعاد.  ولأن هذا الوقت ليس للّطم والعويل، فالأجدى لنا أن نعيد مراجعة وضعنا الثقافي برمته، بدءاً من واقع القراءة، وإعادة الاعتبار للكتاب بوصفه قنديل معرفة وجماليات. وفي الإمارات برزت مشروعات ثقافية عدة، سواء ما يتعلق بالمتاحف والفنون والترجمة والقراءة، وكلها تؤكد أن علينا اللحاق بمن سبقونا ثقافياً.


وكل هذه المشروعات تسعى إلى تقليل الهوة الثقافية بين العرب والعالم، وإعادة الاعتبار إلى الكتاب والإبداع، وهي في حاجة إلى جهود المثقفين والمؤسسات معاً، باعتبارهم شركاء فاعلين وليسوا متفرجين، من أجل تحقيق نجاحها في أحداث فرق بين الأمس واليوم في الوضع الثقافي.  أي مشروع ثقافي، هو استثمار في المستقبل، خصوصاً أن الإبداع يمثل بصمة روحية لكل أمة، كما أن «القوة» الحقيقية تتمثل في «العقل» وليس في «الدبابة». فلا مستقبل لأمة من دون ثقافة تمثل أحد أبعاد هويتها، ولا حياة كاملة لأمة من دون معرفة تمثل جسراً حقيقياً إلى مستقبلها.  ali.alameri@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة