متطلبات وظيفية تشغل آباء عن تربية أبنائهم

تفرض بعض المواقع والمهام الوظيفية، على الآباء، قضاء ساعات طويلة في العمل، وعدم التواجد كثيرا في المنزل ، ما قد يترتب عليه نتائج سلبية على تربية الأبناء، وفي هذا الصدد يقول أب أنه حصل على وظيفة جديدة، تتطلب قضاء اليوم كاملا في العمل تقريبا، ولديه الكثير من المسؤوليات  والعديد من الواجبات، مشاغله متنوعة، لكنه في الوقت ذاته شديد الحرص على  تربية أبنائه، ويخاف عليهم إن أهملهم في التربية، فيزداد قلقا واضطرابا.. فماذا يفعل؟

ويؤكد المستشار الأسري عيسى المسكري على إن العبرة بجودة التربية ليس بطول المكوث في البيت، لكن بحسن المعاملة وطريقة التوجيه، فلا تكن كالصنم الصامت لا يقدم ولا يأخر، أو كابوس مخيف لأولاده، ضرره أكثر من نفعه، وانصرافه أفضل من حضوره.

ويتابع بالقول قد تكثر المشاغل وتتعدد المسؤوليات، ولكن يبقى الأب هو  المسئول الأول في التربية، كقبطان السفينة، إن أهمل التوجيه قد تغرق السفينة في لُجَّج الظَّلاَمِ وأعماق مخيفة.

فمثل الآباء في التربية كمثل العقاقير المنشطة، حجمها صغير وأثره كبير، ونظرا لقصر الوقت الذي يقضيه الأب في البيت، وجب عليه أن يكون بالغ التأثير، قوي الشخصية، راقي الخلق، طيب القول، يمتاز بجودة الحب والمعاملة والعاطفة، يهابه الأبناء حبا، ويلبون رغباته تنافسا.

وهناك من الآباء مثل الداء إن دخل البيت كان سببا للهم والغم، قد تمرض الزوجة من قسوة معاملته، وينفر منه الأبناء بسبب غلظة قلبه.
والأبناء فلذة أكبادنا، وهم أمانة في أعناقنا، وتربيتهم مسؤولية في حياتنا، فلا نجعل مشاغلنا أهم من تربيتهم، فالآباء ينقسمون على حسب تربيتهم للأبناء إلى ستة أصناف:

الأول: يهدم ولا يبني، يفسد ولا يصلح، نظراً إلى سلوكه السلبي وكلامه البذيء، وهو أسوأ الآباء في التربية، فكم من مفسدٍ يتوهم أنه مصلح، بل يدعي أنه المعلم والمربي الأمثل، وهو جاهل في التوجيه، متعصب في الرأي، وقدوة سيئة للأبناء.

الثاني: ليس له دور في التربية، ولا أثر له يذكر، إن دخل البيت فهو جسد بلا روح وقلب بلا عاطفة، صامت لا يتحدث، إن رأى عيباً سكت، وإن واجهته مشكلة انسحب، وإن ناقشته هرب، وإن وكّلته بمهمة أهمل، إن حضر لم يُعرف، وإن غاب لم يُفقد، وجوده كعدمه، ليس له دور يذكر.
الثالث: يتوهم أنه لا يجد وقتاً كافياً من أجل تربية أبنائه، نظراً إلى تعدد مسؤولياته وتنوع واجباته، أو بسبب بُعده عن أبنائه.

الرابع: العنيف، الفظ، غليظ القول، شديد المعاملة، يلقي الرعب وينشر الذعر، متعصب، يتوهم أن ما يقوم به يعد أسلوباً ناجحاً في التربية، يروض أبناءه على السمع والطاعة، عسكري السلوك والأوامر، وجوده في المنزلة خوف وذعر، وغيابه أنس وفرح، وعلى الرغم من شدة سلوكه وتعصب أوامره إلا أن بعضهم يُقَوّم السلوك ويضبط التربية وينظم الوجهة والمسار.

الخامس: أب حنون على أبنائه، رحيم بهم، هادئ السلوك، خفيف الظل، طيب الحس، إن دخل المنزل فالكل يعانقه، وإن غاب عنهم دمعت عيونهم، إن قال فأذن صاغية، وإن طلب شيئاً تنافس الكل في تلبية أوامره، كلامه مؤثر، وأفعاله ترجمة سلوكية في حياتهم، إلا أن المتمرد من أبنائه يجد قوة في مخالفة أمره، ومهاجمة آرائه، ومغالطة أقواله.

السادس: يجمع بين اللين والشدة، والحب مع الحزم، والرحمة مع الهيبة، يربي أبناءه بمنهج، يخطط حياتهم برؤية، ويترجم خبراته بعلم، فإن كان تاجراً اكتسب أبناؤه مهارة التجارة، وإن كان طبيباً أصبح أكثر أبنائه أطباء، وإن كان عالماً خرّج عباقرة وعلماء، وإن كان قائداً غرس فيهم القدوة، وبنى الشخصية، وجعلهم بين الناس أئمة وقادة، ويعد هذا الصنف أفضلهم في التربية، لأنه يجمع بين القوة والحزم كما في الصنف الرابع، والحب واللين كما في الصنف الخامس.

 

 

الأكثر مشاركة