التعليم ومحاربة الفقر
في الوقت الذي يبدو العالم محفوفاً بالمخاطر، وتسود فيه الأخبار السلبية في عناوين الصحف والشاشات التلفزيونية كافة، مازال هناك بصيص من النور يسترعي انتباهنا. تجدر الإشارة إلى أن هناك انخفاضا شديدا في نسبة الفقر المدقع، بما يعني حصول الفرد الواحد على دخل يقلّ عن دولارين يومياً، وذلك وفقاً لتعريف البنك الدولي. ولفترة طويلة من الزمن وصلت نسبة عدد سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع إلى 90%، إلا أنّ هذه النسبة انخفضت لأقلّ من 10% حتّى يومنا هذا. واستطاع 1.1 مليار شخص الخروج من حلقة الفقر منذ عام 1990.
ويصادف 2017 مرور 25 عاماً على إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 17 أكتوبر يوما دوليا للقضاء على الفقر. ويتمحور موضوع هذا العام حول "تلبية نداء 17 أكتوبر للقضاء على الفقر: السبيل نحو مجتمعات أكثر سلماً واشتمالا". كما يصادف عام 2017 الذكرى الثلاثين لنداء العمل الذي أطلقه الأب جوزيف وريسينسكي، الذي استلهم في 17 أكتوبر يوماً للتغلب على الفقر المدقع، وهو ما حظي باعتراف من الأمم المتحدة وحدّدته يوما دوليا للقضاء على الفقر.
وعلى الرغم من أن معدلات الفقر قد انخفضت بالفعل في جميع المناطق، إلا أن التقدم في انخفاض الفقر المدقع كان متفاوتاً بين عامي 2012 و2013 بشكل رئيس في شرق آسيا والمحيط الهادئ (خصوصاً في الصين وإندونيسيا) وجنوب آسيا (خصوصاً الهند).
ويعيش نصف الفقراء في العالم بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا. وقد انخفض عدد الفقراء في هذه المنطقة بمقدار أربعة ملايين شخص فقط، في حين لايزال 389 مليون شخص يعيشون تحت خطّ الفقر حيث يبلغ دخلهم اليومي أقل من دولارين أميركيين فقط وفقاً لعام 2013، أي أكثر من معدّل الفقر في جميع المناطق الأخرى مجتمعة. علاوة على ذلك، فإن الأغلبية العظمى من الفقراء الذين يعيشون في المناطق الريفية لا يتلقون تعليماً سليماً، معظمهم من العاملين في القطاع الزراعي وأكثر من نصفهم دون سنّ ال18.
ومع ذلك، لايزال هناك أمل. نحن نؤمن في "دبي العطاء" بأنّ التعليم هو إحدى أكثر الأدوات فاعليّة لكسر حلقة الفقر. ووفقاً لصندوق "الشراكة العالمية من أجل التعليم"، في حال ترك جميع طلاب المدارس في البلدان منخفضة الدخل وهم متمكنون من مهارات القراءة الأساسية، فإن ذلك سيسهم في إخراج 171 مليون شخص من حلقة الفقر. علاوةً على ذلك، فإن إكمال كل طفل في البلدان منخفضة الدخل تعليمه الثانوي بحلول عام 2030، سيزيد من الدخل السنوي للفرد بنسبة 75% بحلول عام 2050، كما سيسرع في القضاء على الفقر بنحو 10 سنوات. وعليه يلعب الاستثمار في التعليم دوراً مهماً في التغلّب على الفقر.
وعلى الرغم من أنّ نسبة الأطفال الملتحقين بالمدارس حول العالم أعلى أكثر من أي وقت مضى، إلا أنه لايزال هناك 263 مليون طفل وشاب خارج المدرسة. وفي الوقت ذاته، يلتحق قرابة 130 مليون طفل بالمدارس الأساسية لكنهم لا يتعلمون، وبالتالي لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، ولا حتّى مهارات الرياضيات الأساسية.
إن اكتساب المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والرياضيات له تأثير إيجابي موثّق في دخل السكان المهمشين، حيث يزيد من نسبة العوائد على الاقتصاد. ومن المؤكد أن توفير التعليم للمهمّشين والفقراء سيؤدي إلى إحداث تغيير في العديد من العوامل التي تسهم في تأخير تطور المجتمعات الفقيرة. ومن شأن التعليم أن يحول دون انتقال الفقر بين الأجيال، وأن يكون له أثر إيجابي في الصحة والتغذية وحماية البيئة. وعلى هذا النحو، يعتبر التعليم استثمارا ضرروريا لما يتركه من فوائد مدى الحياة. ومن خلال الاستثمار في التعليم، يمكننا خفض عدد سكان العالم الذين يعيشون تحت خطّ الفقر بنسبة 12٪ ، وفقاً للبنك الدولي.
ويعد التعليم حقّاً من حقوق الإنسان وهو عامل مهم في التنمية البدنية والفكرية لكل طفل. وعندما نضمن حقوقا متساوية في مجال تعليم الفتيات والفتيان، فإننا نوفر لهم فرصاً أفضل في الحياة ومستوى صحياً جيدا، ونمكنهم من القيام بدور فاعل في مجتمعاتهم. كل هذا يشكل حجر الأساس في عمل دبي العطاء، و هو القوة الدافعة وراء كل برامجنا، التي نسعى من خلالها إلى توفير التعليم وتعزيز جودته في البلدان النامية في كل أنحاء العالم.
إن أصوات الذين يعيشون في فقر مدقع قد سُمعت حقاً، وقد اعترفت بها أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030. ونحتاج الآن إلى اتخاذ إجراءات سريعة من قبل الحكومات والهيئات الدولية والقطاع الخاص، لترجمة أهداف التنمية المستدامة إلى سياسات فعّالة مدعومة بموارد مناسبة. إن أجندة 2030 طموحة في المضمون، لكننا بحاجة إلى إجراءات طموحة للمضي قدماً في تحقيقها. علينا الاستثمار في التعليم العالمي الآن.
الرئيس التنفيذي لـ"دبي العطاء"