أطفال يرهقون ميزانية الأسرة بالتسوّق الإلكتروني

بالنسبة للطفل، فإن الحصول على قميص ليونيل ميسي، أو حذاء كريستيانو رونالدو الجديد، أو حيازة أحدث النسخ من لعبته الإلكترونية المفضلة، لا يتطلب منه أكثر من ضغطة برأس الإصبع على لوحة مفاتيح «اللاب توب». أما بالنسبة للأهل، فقد يجدون أنفسهم، خلال أيام، غارقين في سيل من فواتير لم تكن في الحسبان.

عروض غير واقعية

أكّدت دراسة صادرة في أبريل الماضي، عن شركة «جيمالتو»، المتخصصة في مجال الأمن الرقمي، تعرّض أكثر من 11 ألفاً و500 سجل بيانات في دولة الإمارات للاختراق، على مدى السنوات الثلاث السابقة، ما دفع «دوبيزل» لإجراء دراسة استقصائية على منصته، لزيادة الوعي بشأن محاولات التصيد الاحتيالي.

وأظهرت الدراسة، التي شملت عينة من مستخدمي مواقع التسوّق الإلكتروني، بأنّ 45.9%، ممن سمعوا عن عمليات «التصيّد الاحتيالي»، كانوا ضحية لإحداها في ما سبق.

وكانت الأسباب الرئيسة، التي أدت إلى اشتباه مستخدمي «دوبيزل» في تعرّضهم للاحتيال، أنّ «بعض العروض كانت ممتازة لدرجة غير واقعية، وهو ما صرّح به 54.4% من المشاركين في الاستطلاع»، بينما قال 27.8% إنّ «بيانات البائعين غير الصريحة، كانت سبباً رئيساً في اشتباههم بالاحتيال».

وتُعرف عملية التصيّد الاحتيالي بأنها «شكل من أشكال الاحتيال، يهدف إلى استخلاص المعلومات الشخصية أو المالية، مثل أسماء المستخدمين وكلمات المرور، وغيرها من التفاصيل، عبر تقمص شخصية كيانات جديرة بالثقة».

محاذير

حذرت مديرة فريق خدمة المتعاملين في موقع «دوبيزل»، سلمى عنبتاوي، عند التسوق الإلكتروني، من التعامل مع الأشخاص الذين تظهر حساباتهم بشكل غير واضح، أو التي يتبين أنها تحوي معلومات غير مفهومة، مشددة على عدم إعطاء أي نوع من المعلومات، قبل التأكد بصورة كافية من أصحاب الحساب.

وأضافت: «من السهل أن يصبح الشخص ضحية لعملية احتيال، إذ يتظاهر معظم المحتالين بأنهم مشترون أو بائعون، وتلعب إتاحة بيانات الاتصال المباشر بالمعلنين دوراً كبيراً في تسريع عملية إتمام الصفقات، لكن ذلك لا يخلو من المخاطر، لأنه يجعل المستخدم أكثر عرضة للاحتيال، ما يستدعي الحذر عند الاشتباه في أي سلوك غير طبيعي، مثل التغييرات المتكررة في تفاصيل الاتصال، أو طلبات الحصول على المعلومات المالية».

وفيما ترى مواقع تسوق أن المسؤولية في ذلك ملقاة على عاتق الأهل، معتبرة أن الرقابة على الأبناء جزء من مهمتهم التربوية، يؤكد آباء صعوبة السيطرة على أطفالهم، أمام الإغراءات الكبيرة التي تقدمها هذه المواقع لجرّ أرجلهم، وحملهم على شراء ما يتوافر لديها من منتجات.

وأفاد آباء وأمهات بأنهم فوجئوا بمندوبي مبيعات، يطرقون أبواب بيوتهم ليسلموهم سلعاً اشتراها أطفالهم عبر أسواق ومتاجر إلكترونية، ارتادوها دون علمهم، موضحين أن قيمة هذه السلع تصل إلى مبالغ كبيرة، يضطرون لدفعها لعدم وجود خيار آخر أمامهم، مطالبين الجهات المعنية بتشديد الرقابة على الأسواق والمتاجر الإلكترونية لتقنين عمليات البيع للأطفال، عبر تحديد عمر المستهلك، وطلب بطاقة هويته للتأكد من عمره.

وفي المقابل، أكدت وزارة الاقتصاد أنه من حق الوالدين عدم استلام السلع التي اشتراها أبناؤهما عبر الأسواق الإلكترونية، والامتناع عن دفع أسعارها للمندوبين، كما أكدت حقهما في إعادتها، لعدم وجود عقد أو وثيقة تثبت ذلك في شروط المتاجر الإلكترونية.

وشدد خبراء ماليون على أن تسوق الأطفال إلكترونياً يؤدي إلى طغيان ثقافة الاستهلاك غير المدروس على سلوكهم، وقد يشكل مديونية تثقل كاهل الأسرة.

وحذرت أخصائية نفسية وتربوية من أن فتح المجال أمام الطفل للتسوق الإلكتروني، دون الرجوع إلى الأب أو الأم، قد يؤدي إلى خلق هوس الشراء العشوائي لديه وتعزيزه، ما يجعل قراراته في الحياة مستقبلاً عشوائية.

وذكرت إدارة موقع «دوبيزل» للتسوق الإلكتروني أنه على المستخدم - بحسب شروط الاستخدام - أن يقرّ بأنّه يبلغ 18 عاماً على الأقل، أو أنّه قاصر غير خاضع للقيود، أو أنّه يحوز موافقة ولي الأمر القانونية.

المساءلة القانونية

وتفصيلاً، قالت المواطنة آمنة علي، من مدينة خورفكان، إنها فوجئت قبل فترة بوصول ملابس رياضية، من أحد مواقع التسوق الإلكتروني إلى منزلها، مضيفةً أنها علمت لاحقاً أن ابنها، الذي لا يتجاوز 15 عاماً، هو من اختارها عبر متجر إلكتروني، بعد أن سجل فيه عضوية اشتراك، مع إدراج رقم هاتف والدته وعنوان المنزل، دون أن يسأل عن أسعار الملابس التي اشتراها، ليقينه من أن والدته ستدفع المبلغ أياً كان، حينما يضعها أمام الأمر الواقع.

وتابعت أنها اضطرت لدفع نحو 1000 درهم، حتى لا تجد نفسها تحت طائلة المساءلة القانونية، من قبل إدارة موقع التسوق الإلكتروني، الذي تواصل ابنها معه، وطلب منه الملابس.

وطالبت الجهات المعنية بتشديد الرقابة على المتاجر الإلكترونية، وإلزامها بالتأكد من عمر المتسوق، الذي يرتادها ويشتري منها.

وقالت المواطنة مريم علي محمد، من الفجيرة، إن كثيراً من المنتجات المعروضة في الأسواق الإلكترونية، تقدم في إطار عروض تبدو مغرية ومبهرجة، وتثير فضول الأطفال والمراهقين على نحو خاص، وتدفع بعضهم إلى طلب منتج قد لا يكون محتاجاً له فعلاً، ليفاجأ الأهل بوصوله إلى باب المنزل عبر مندوب توصيل.

وتابعت: «يقدم لهم المندوب فاتورة، يتعين عليهم سدادها مهما كانت باهظة، والأسوأ أن قيمتها لا تكون متوقعة، أو مدرجة ضمن ميزانية الأسرة، ما يعني أنها ستمثل عبئاً على كاهل الأسرة».

وشرحت أن ابنها، الذي لا يتجاوز 11 عاماً، طلب حذاء رياضياً من العلامات التجارية المعروفة، ومع أنه لم يكن على مقاس قدمه، فقد اضطرت لسداد ثمنه المرتفع، لعدم وجود خيار آخر أمامها.

سلع خطرة

وأيدها الرأي المواطن عبدالله بدر، من الشارقة، الذي أكد أن بعض العائلات تفاجأ بشراء أبنائها ألعاباً، وملابس، من المتاجر الإلكترونية.

وقال: «في أيامنا، كان الوالدان المسؤولين عن اختيار كل ما يخص أبناءهما من مستلزمات، سواء كانت أساسية أم كمالية، لكن اختلف الوضع اليوم، فأصبح الأبناء يتسوقون عبر المواقع الإلكترونية التي يرتادونها، والتي تتيح لهم التجول فيها بكل سهولة ويسر، لعدم وجود إجراء يحول دون ذلك».

وتابع بدر أن «الوالدين مطالبان بالرقابة على أبنائهما، وعليهما معرفة كل ما يتبضعونه عبر المتاجر الإلكترونية، فقد يقدمون على شراء ما لا يناسبهم من ألعاب وسلع تمثل خطراً على حياتهم، لأن هناك ألعاباً كثيرة، لا تكون مناسبة إلا لفئة عمرية محددة من الأطفال. ويتوجب على الجهات الرقابية المختصة أيضاً فرض إجراء ما، يقنن عملية الشراء الإلكتروني، خصوصاً لفئة الأطفال والمراهقين، ويفرض شروطاً على المتسوقين الإلكترونيين، للتأكد من أعمارهم ومستوى أهليتهم للإقدام على شراء أي سلعة من المواقع والأسواق الإلكترونية، مثل طلب إدارة الموقع من المتسوق إرسال نسخة من بطاقة هويته، للتأكد من عمره الحقيقي».

في المقابل، رأت مواقع تسوق إلكتروني - رفضت تحديدها - أن المسؤولية في مراقبة عمليات الشراء ملقاة بالكامل على عاتق الأهل، معتبرة أن الرقابة على الأبناء جزء من مهمتهم التربوية تجاه أطفالهم. وأكدت صعوبة التفريق بين طفل يرغب في شراء منتج بعلم مسبق من والديه، وآخر يبرم عملية الشراء من دون العودة إليهما، مطالبة الآباء، الذين يجدون صعوبة في التحكم برغبات أبنائهم الشرائية، بمضاعفة الرقابة عليهم.

الحق في إعادة المنتج

من جهته، طالب مدير مكتب وزارة الاقتصاد فرع الفجيرة، جمعة الظنحاني، المواقع الإلكترونية بوضع شروط تمنع الأطفال من التسوق الإلكتروني، لافتاً إلى أن أعمار الأطفال، الذين يرتادون هذه المواقع للتسوق، غير قانونية، أي أن الطفل لا يدرك ما يلائمه، وقد يقدم على شراء ما لا يناسبه.

وأكد حق الوالدين في عدم استلام السلع والامتناع عن دفع أسعارها للمندوبين، وحقهما في إعادتها، لعدم وجود عقد أو وثيقة تمنع ذلك في شروط المتاجر والأسواق الإلكترونية، حتى التي تديرها أكبر الأسواق على شبكة الانترنت.

وأفادت مديرة فريق خدمة المتعاملين في موقع «دوبيزل»، وهو موقع تسوق إلكتروني، سلمى عنبتاوي، بأن على مستخدم «دوبيزل» أن يكون موجوداً داخل الدولة، ويملك رقم هاتف محلياً، مشيرةً إلى أنه عند إضافة إعلان للمرة الأولى على منصة «دوبيزل»، يُطلب من المستخدم تسجيل رقم هاتفه، بإرسال المستخدم رسالة نصية لرقم محدد، للتحقق من مُشغل الاتصالات المحلي.

وأضافت عنبتاوي أن «منصة (دوبيزل) موجهة للبالغين فقط، ولا يجوز للقصّر الوصول إليها، أو الاستفادة من الخدمات التي تُقدّمها»، لافتةً إلى أنه عند تسجيل حساب على المنصة للمرة الأولى، يتعين على المستخدم - بحسب شروط الاستخدام - أن يقرّ بأنّه يبلغ من العمر 18 عاماً على الأقل، أو أنّه قاصر غير خاضع للقيود، أو أنّه يحوز موافقة ولي الأمر القانونية، وقادر بشكل كامل وكفؤ على إبرام الشروط والأحكام والالتزامات والتأكيدات والتعهدات والضمانات الواردة في هذه الشروط، والتقيد والالتزام بالشروط جميعها».

وأوضحت أن «دوبيزل» منصة تُسهّل التواصل بين سكان الإمارات، لشراء أو بيع أو تبادل السلع المستخدمة والخدمات بطريقة سريعة وسهلة، فهو يهيئ سوقاً إلكترونية بين المستخدمين، وينتهي دوره بعد أن تنتقل العملية التجارية بين البائع والمشتري إلى خارج المنصة.

وتابعت عنبتاوي أن «توعية المستخدمين حول كيفية الاستخدام السليم للمنصة، تضمن تمتعهم بمعاملات تجارية آمنة، وخالية من المشكلات عند البيع والشراء».

وقالت: «حرصاً من (دوبيزل) على سلامة مستخدميه، يشجع باستمرار على إتمام المعاملات التجارية وجهاً لوجه، وفي مناطق آمنة، على غرار محطة المترو، أو مراكز التسوق، أو أي مكان عام».

وذكرت أنه «يجدر بالمشتري تفقد السلعة جيداً قبل إتمام عملية الشراء، ليتمكن من تجنب الغش والاحتيال. ويجدر به توخي الحذر من العروض غير الواقعية، فمثلاً إذا لاحظ أنّ الصفقة مغرية جداً، فعلى الأرجح أنّها عبارة عن محاولة احتيال»، لافتة إلى أنه يتوجب على البائع إعلام المشتري بأي عيوب في السلعة، والاتفاق معه على استخدام وسائل الدفع المألوفة والسهلة، على غرار الدفع نقداً.

ثقافة الاستئذان

من جانبها، أكدت الأخصائية النفسية والتربوية، مريم علي الحمادي، أهمية تعزيز ثقافة الاستئذان لدى الأطفال، «فالطفل بطبيعته يحب التملك والاحتفاظ بكل ما يعجبه، فإذا اعتاد أخذ ما يريد دون موافقة والديه، فسيتطور الأمر لديه ليتملك ويأخذ كل شيء يراه، حتى لو لم يكن في المنزل».

وقالت إن «على الأم توجيه طفلها، بعدم أخذ ما يريد دون الرجوع إليها، وأخذ الموافقة منها شخصياً، أو من والده، لتعزيز صفة الاستئذان لديه، ما يجعله لا يقدم على شراء أي سلعة من أي متجر أو سوق إلكتروني، إلا بعد الحصول على موافقة»، لافتة إلى أهمية تخصيص ميزانية للأبناء، لتعلم الثقافة المثلى للاستهلاك.

وأضافت الحمادي: «حينما يلجأ الطفل إلى طلب سلع عبر المتاجر الإلكترونية بنفسه، دون الرجوع لوالديه أو لأحدهما، فإن تكرار مثل هذا السلوك يجعل منه إنساناً عشوائياً، غير قادر على تحديد مساراته وقراراته المستقبلية بشكل مدروس، ما يرسخ بداخله هوس الشراء، ويؤدي إلى تعاظم النمط الاستهلاكي، الذي قد يبلغ حد الشراهة والولع بكل جديد، وهو ما لن يتحقق إلا عن طريق اقتناء كل ما هو جديد»، موضحة أن «هوس الشراء من الاضطرابات النفسية التي تحتاج إلى علاج سلوكي ومعرفي، إضافة إلى استخدام العقاقير الدوائية التي لا تعرض الشخص المصاب بداء التسوق لخسائر مادية كبيرة، هذا الاضطراب يرتبط بالرغبة الملحة في الشراء، بحاجة ودون حاجة نتيجة استجابة لأفكار ملحة ومتكررة، بحيث لا يملك المصاب سوى الرضوخ لا إرادياً، وتتيح الأسواق والمتاجر الإلكترونية المتوافرة عبر التطبيقات المختلفة في أجهزة الهواتف النقالة خلق مثل هذا الهوس وتعزيزه بشكل عميق، خصوصاً لدى الأطفال».

استهلاك غير مدروس

من ناحيته، قال المستشار والمحلل المالي، زياد الدباس، إنه من المفترض أن من ينفذ عملية التسوق الإلكتروني هم أشخاص بالغون وعاقلون، وعلى دراية تامة بأهمية وقيمة ما يشترونه، موضحاً أن ظاهرة تسوق الأطفال إلكترونياً لها مخاطر على المديين المتوسط والبعيد. كما أن توافر تسهيلات شراء السلع للأطفال من الأسواق الإلكترونية، يتيح لهم دخول هذه المواقع وشراء ما يريدون، ويؤدي إلى طغيان ثقافة الاستهلاك غير المدروس على سلوكهم.

للإطلاع على شراء الأطفال منتجات عبر الإنترنت ، يرجى الضغط على هذا الرابط.

الأكثر مشاركة