التخصص والمجتمع

أدركت اليوم - بعد تخرجي في الجامعة بسنوات عدة، أن اختيار تخصص الدراسة أو مجال العمل ليس له تأثير مصيري في حياة الفرد، بعكس ما قد يعتقده العديد من الشباب في بداية حياتهم، لأن معظم الشباب لديهم القدرة على الإبداع في مجالات عدة، ولأن الإنسان لديه قدرة عجيبة على التشكل والتحور، ليلائم أغرب الظروف، خصوصاً في عمر الشباب، لكن التأثير الأكبر لاختيار التخصص أو المجال يكون في المجتمع، الأمر الذي قد لا يدركه المجتمع إلا متأخراً، على الرغم من أن للمجتمع تأثيراً لا يستطيع العديد من الشباب تجاهله، عند إقبالهم على تخصصات معينة، أو ابتعادهم عنها.

قلة من الشباب تنصت إلى النداء الداخلي، الذي يدفعها لتكون فرداً فاعلاً في المجتمع، يحمل هم الأفراد جميعهم، ويسعى ليكون رائداً في مجال قد لا يعتقد المجتمع أنه ذو أهمية أو قيمة، من هؤلاء الشباب الطالبة سارة الأنصاري، التي تخرجت الأولى على الدولة في القسم العلمي عام 2015، واختارت سارة تخصص التربية الخاصة، الأمر الذي لاقى استنكاراً وهجوماً لم تكن تتوقعهما، تقول سارة: «إن شجاعة كبيرة تُطلِّبت لاتخاذ قرار التخصص في هذا المجال، بين صراع الحاجة الملحة الصامتة وبين نقص وعي المجتمع واستنكاره، ومازلت أُسأل: (ما هذا التخصص؟)، حينما أقول إنني طالبة تربية خاصة، في مجتمع أصبحت تتصاعد فيه أعداد الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة كل عام». وتضيف سارة: «لا يتقدم مجتمع يتخصص فيه الجميع بمجال واحد».

لا يلاقي تخصص التربية الخاصة إقبالاً من طلبة الجامعة، ربما لأنهم لا يدركون الدور الإنساني العظيم، الذي يقوم به خريجو التربية الخاصة في رعاية أصحاب الهمم، ليس فقط من أصحاب الإعاقات الجسدية والعقلية، بل يمتد ليشمل المصابين بالتوحد وصعوبات التعلم ومشكلات النطق والتأخر اللغوي التي تتزايد بين الأطفال كل عام، العديد من هذه الحالات قد لا تلقى التشخيص الصحيح أو العلاج المناسب، بسبب نقص التخصص وضعف المجال، ما قد يكون له تأثير مدمر في مستقبل هؤلاء الأطفال.

يجب أن تكون هناك توعية مكثفة للمجتمع والشباب بأهمية تخصص التربية الخاصة، ويجب كذلك تشجيع الشباب على الإقبال على تخصص التربية الخاصة، ويمكن أن يتم ذلك بتوفير منح دراسية للطلبة، خصوصاً أنه لا تتوافر حالياً أي منح دراسية لطلبة التربية الخاصة، كما يجب أن يكون تخصص التربية الخاصة تخصصاً فرعياً لكل طلبة التربية، لكي يكون المعلمون قادرين على التعرف إلى صعوبات التعلم والتعامل معها، كما أن وجود معلمين قادرين على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، يزيد فرص نجاح دمجهم في المدارس الحكومية والخاصة.

مجلس أبوظبي للشباب

الأكثر مشاركة