دعوة إلى إنشاء مكاتب تزويج حكومـية للحد من العنوسة
قال رئيس شعبة الحالات الأسرية في محاكم دبي، عبدالعزيز الحمادي، والمأذون الشرعي والمحكِم الأسري في دائرة القضاء في رأس الخيمة، عبدالله سعيد الدهماني، إن هناك تزايداً ملحوظا في ظاهرة تأخر سن الزواج لدى الفتيات، موجهين دعوة إلى الجهات المسؤولة لاتخاذ تدابير عملية، من أجل الإسهام الفعلي في الحدّ من هذه الظاهرة.
| قصة درهم روى المأذون الشرعي والمحكّم الأسري في دائرة القضاء في رأس الخيمة، عبدالله سعيد الدهماني، أنه استقبل شاباً طلب يد فتاة، لكنه فوجئ بوالدها يطالبه بـ100 ألف درهم، ولا يقبل بأقلّ من ذلك. وأضاف: «حاول الخاطب كثيراً تليين قرار والد الفتاة، وعندما أخفق اتصل بي لأكون وسيطاً، لكنني لم أستطع مساعدته، ما اضطره إلى بذل قصارى جهده لتوفير المبلغ المطلوب. وفي ليلة عقد القران، سألتُ الأب عما طلب مهراً لابنته، وأنا أعرف أنه طلب 100 ألف درهم، لكن ما أثار استغرابي أنه أخرج من محفظته درهماً، وقال هذا مهر ابنتي، فهي لا تعوض بالمال». وشرح الأب للحاضرين أن الـ100 ألف كانت اختباراً لقدرة الخاطب على تحمل المسؤولية، وقد نجح في هذا الاختبار. كما روى الدهماني أن فتاة سددت نصف قيمة مهرها، من دون أن يعلم أهلها أنها ساعدت الخاطب على دفع المهر، فيما اشترطت أخرى على الخاطب حفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم، لأن هدفها ليس المال، بل بناء أسرة مسلمة مستقرة في المجتمع.
|
واقترح الحمادي والدهماني أن تتضمن الإجراءات العلاجية تأسيس وإطلاق مكاتب تزويج رسمية، على أن تقع تحت إشراف مباشر من جهة رسمية، مشيرين إلى أن الأهل لا يثقون بالخطّابات المنتشرات أو من لديهن مكاتب خاصة.
وحملا على «الأفكار التي تنمّ عن وعي غير ناضج، والاعتبارات الاجتماعية المتعلقة بمقدم الصداق ومؤخره، والسائدة خصوصاً في أوساط الفتيات»، مؤكدين أنها «لعبت دوراً كبيراً في ذيوع ظاهرة العنوسة، من خلال تغذيتها بأفكار لا تخدم الواقع الذي نعيشه، فضلاً عن أنها تجافي الاعتبارات الدينية الصريحة في هذا الإطار».
وتفصيلاً، قال الحمادي، إن تأسيس مكاتب متخصصة في جمع رأسين بالحلال، ومساعدتهما على بناء أسرة على أسس صحيحة، سيسهم في وضع حدّ لكثير من الظواهر الاجتماعية المتعلقة بالزواج، مضيفاً أن كثيراً من الأسر لا تثق بالخطابات، وترفض الاستعانة بهن في تزويج أبنائها وبناتها.
وأكد أن «هذه التجربة أثبتت فاعليتها في السعودية، إذ أطلق 60 مكتباً للتزويج»، داعياً إلى التفكير جدياً في الاستفادة من نتائجها.
وتابع أن المهر يمثل أحد الأسباب الرئيسة لتأخر سن الزواج، على الرغم من أنه رمز وإجلال للفتاة، ولا يحدد قيمتها سواء كان قليلاً أو كثيراً، مضيفاً أن الشريعة الإسلامية لم تحدد المهر، بل حثت على عدم جعله عثرة في طريق الزواج.
وأعرب الحمادي عن استغرابه من إصرار فتيات على الزواج بمهور لا تقلّ عن تلك التي حددت لقريبات أو صديقات لهن، لافتاً إلى أن «مثل هذه الأفكار هو ما يتسبب في تفشي ظاهرة العنوسة في مجتمعنا». ولم يعفِ الحمادي الشباب من المسؤولية عن هذه الاعتبارات، إذ «لا تعدم من يفكر بهذه الطريقة حتى بين الشباب أنفسهم». وشرح أن شاباً مضى على زواجه قرابة ستة أشهر، جاءه مشتكياً زوجته التي «لا تعرف شيئاً من أمور الحياة»، كما قال، وأخبره بأنه دفع فيها ما يقارب 400 ألف درهم، قبل أن يكتشف أنها لا تصلح لأداء دور الزوجة.
وعلق الحمادي على عبارة الزوج، قائلاً إنه «تحدث عن زوجته كما لو كان يتحدث عن قطعة أثاث أو جهاز كهربائي، ما يدلّ على عدم الوعي بين فئة الشباب».
وتابع أن معظم الفتيات المقبلات على الزواج يرين أن المهر المرتفع يزيد من هيبتهن أمام الناس والزوج، لكن الحقيقة أن كل هذا سيقع على كاهله لاحقاً، وسيصبح أسيراً للديون، ما سيؤثر سلباً في حياتهما الزوجية مستقبلاً.
وذكّر الحمادي بالقانون الذي وضعه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، عام ،1997 وينص على خمس مواد، أبرزها ألا يتجاوز المهر 20 ألف درهم، والمؤخر 30 ألف درهم، «لكن هذا القانون أصبح على ورق»، مشيراً إلى أن الأغلبية لم تعد تعمل به.
ولفت إلى أن بعض الفتيات تعتقد أن ربط الرجل بالمؤخر الكبير في العقد، يضمن للزوجة حياتها، وهذا ليس صحيحاً، إذ يستطيع الزوج أن يماطل في الطلاق إلى أن تتنازل الزوجة عن حقوقها كافة، بما فيها المؤخر ذو القيمة الكبيرة.
وأكد الحمادي وجود كثير من الحالات الإيجابية في مجتمعنا، مشدداً على ضرورة إظهارها، والإشادة بمن يقفون وراءها، وقال إن فتاة يتيمة الأب عاشت في كنف أخيها الأكبر إلى أن جاء شخص طالباً خطبتها، فوافق أخوها، وقال له إنه لا يريد منه شيئاً، وليس في حاجة إلى أي شيء، لأن أموال الدنيا لا تعوضه عن أخته».
ورأى أن «من ينظر إلى الأمور من الناحية المالية، لا يصلح أن يكون زوجاً أو أباً في المستقبل»، مشيراً إلى أن «الفتاة تحتاج إلى رجل يدرك المسؤولية».
أما المأذون الشرعي والمحكّم الأسري في دائرة القضاء في رأس الخيمة، عبدالله سعيد الدهماني، فقال إن معنى المهر اللغوي، هو «ما يلتزم الزوج بأدائه إلى زوجته حين يتم زواجه بها»، أما اصطلاحاً، فاسم للمال الذي يجب في عقد النكاح على الزوج في مقابل البضع، إما بالتسمية أو بالعقد».
ورفض الدهماني الأفكار التي تقرن قيمة الزوجة بمهرها، مشيراً إلى أن المهر القليل لا يقلل أبداً من مكانة المرأة، بل يدلّ على نمو عقلها وثقافتها، وأهمّ من هذا تمسكها بسنّة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، لقوله: «أقلهن مهراً أكثرهن بركة»، مقدراً عدد حالات الطلاق بين ذوات المهور القليلة بما يقلّ عن 1٪ من حالات الطلاق.
وأضاف أن المهر القليل يسهم في بناء وإنجاح الزواج، والحصول على التقدير والاحترام من الزوج.
وقال إنه أبرم عقود زواج لأشخاص لم تتعد مهورهم 10 دراهم، وأحياناً 500 درهم، أو 5000 درهم.
وأكد الدهماني ضرورة وجود مكاتب تزويج رسمية، على غرار ما هو موجود في مجتمعات خليجية قريبة من المجتمع الإماراتي، على أن تتولى الإشراف عليها جهة حكومية، وتعمل على توزيع مراكزها في جميع أنحاء إمارات الدولة.
وقال إن التوفيق بين رأسين بالحلال سيساعد على انخفاض تأخر سن الزواج.