آراء

قبل أن توكل أحدهم!

الوكالة العامة رباط قانوني بالغ الأهمية نظراً لفاعليتها وتأثيرها القوي وما يترتب عليها، فضلاً عن أنها علاقة شائعة بين أطراف مختلفين سواء كانوا أقارب أو شركاء، وربما تكون في بعض الحالات بمثابة حصان طروادة، الذي يخفي بداخله شراً مستطيراً، لذا من الضروري الحذر قبل توكيل أحدهم لأن الثقة الزائدة قد تكون مكلفة.

وفي ظل أهمية هذه العلاقة القانونية حرص المشرع الإماراتي على تنظيمها بشكل مثالي يضمن حقوق الأطراف جميعاً، فبحسب الفقرة الثالثة من المادة 927 من القانون رقم 5 لسنة 1985 بشأن المعاملات المدنية، تجيز الوكالة للوكيل التصرف نيابة عن الموكل بشكل مطلق، فيما عدا التصرفات التي تؤدي إلى خسارة الأخير كالتبرع والهبة والإسراف في ما لا يقتضيه الأمر.

ولتفادي ما يحيط الوكالة العامة من مخاطر ومنع أي سبل لاستغلالها في تحقيق مآرب شخصية تضر الموكل لم يطلق المشرع يد الوكيل في أموال موكله، فالوكالة وإن كانت تمنح سلطة التصرف، إلا أنها مقيدة بمسؤولية الوكيل عن تصرفاته في المال الموكل به، فلا يجوز له أن يتجاوز إلى أكثر من ذلك إلا في ما يحقق منفعة موكله، وذلك بحسب المادة 931 من قانون المعاملات المدنية.

ويحق للوكيل أن يوكل شخصاً آخر في ما وكل به إذا أذن له الموكل، لكنه يظل مسؤولاً تجاه الأخير عن أي خطأ يرتكب من قبل الوكيل الثاني ويتحمل تبعة ما أصدر له من توجيهات.

ونأتي إلى الحالة المتكررة المتعلقة باستغلال أحدهم للوكالة ليبيع لنفسه أملاك موكله، ويجب أن ندرك أن هذا يعتمد على العقد ذاته، فبعض عقود الوكالة تمنح الوكيل صلاحية البيع بأي ثمن يراه سواء لنفسه أو لغيره.

لكن بعيداً عن الاستثناء، فإن المشرع لم يجز للوكيل أن يشتري لنفسه ما وكل ببيعه، وليس له أن يبيعه إلى أصوله (الآباء) أو فروعه (الأبناء) أو زوجه أو لطرف يجر التصرف معه مغنماً على الوكيل أو يدفع مغرماً، إلا بثمن يزيد على ثمن المثل، أو بالثمن ذاته إذا فوضه الموكل بالبيع لمن يشاء،

وفي جميع الأحوال يلتزم الوكيل بأن يوافي موكله بالمعلومات الضرورية عما آل إليه تنفيذ الوكالة، وبأن يقدم له حساباً عنها، وفق المادة 948 من قانون المعاملات المدنية.

خلاصة القول أنه في ظل خطورة هذا العقد، حرص المشرع الإماراتي على تقييده بحيث لا تطلق يد الوكيل في أموال موكله دون تحمل مسؤولية أي تصرف يقوم به، ووضع أطر لملاحقته قانونياً لضبط هذه العلاقة المهمة وضمان حقوق أطرافها.

بحكم مهنتنا نشهد منازعات قضائية معقدة سببها الثقة الزائدة في شخص لا يستحقها، ويكون الوضع أكثر تعقيداً وقبحاً وحساسية حين يكون طرفا الخلاف من أسرة واحدة؛ أب وابنه أو زوجة وزوج أو أي من الأقارب، لذا يجب أن نؤثر السلامة ونفكر جيداً قبل الإقدام على هذه الخطوة. *محكم ومستشار قانوني

تويتر