آراء

«جريمة العصر»

القضية بدأت بمراسلات إلكترونية اعتيادية بين شركتين تربطهما علاقات تجارية طويلة، وذات يوم تلقت إحداهما رسالة عبر البريد الإلكتروني تفيد بتغيير رقم الحساب وإدراج رقم جديد لتحويل الأموال عليه.

وفي ظل الثقة المتبادلة بينهما حولت الشركة الأولى ملايين عدة من الدراهم على دفعات إلى الشركة الثانية قبل أن تتلقى منها اتصالاً حول تأخر التحويلات، لتكتشف أن هناك من اخترق مراسلاتهما الإلكترونية بـ«إيميل» مطابق للشركة الثانية، لكن على خادم «مختلف»، وتدرك أنها وقعت ضحية عملية احتيال كبرى.

هذه الجريمة نفذت بأسلوب واحد من بين عشرات الأساليب المستخدمة في الاحتيال الإلكتروني، منها الاستيلاء على البيانات البنكية بالحيلة، والخداع الهاتفي، والاحتيال بأسماء علامات تجارية كبرى عبر مواقع وتطبيقات هاتفية مزيفة، حصد من خلالها المحتالون الإلكترونيون مليارات الدولارات على مستوى العالم.

ولا شك أن الأجهزة الشرطية في دولة الإمارات تملك من الإمكانات البشرية والتقنية ما يمكنها من التصدي بقوة لهذه العمليات الاحتيالية.

لكن تقع مسؤولية على الأفراد والتصرف بوعي حماية لأنفسهم وممتلكاتهم، لأن الشرطة تؤدي واجبها في ضبط المحتال، والمشرع الإماراتي وضع ما يكفي من القوانين لردع تلك الجرائم، لكن لا ضمانة لإعادة الأموال المنهوبة، فالمجرم يمكن أن يكون جالساً في غرفة بدولة تقع في الركن الآخر من العالم، مستفيداً من ثورة الاتصالات في الإيقاع بضحاياه على أي نقطة من الخريطة.

وقانوناً، يُعرف الاحتيال الإلكتروني بأنه ممارسة تنطوي على استخدام الخداع للاستيلاء على أموال المجني عليه، أو تحريف متعمد للحقيقة لإغراء المجني عليه بالتنازل عن شيء ذي قيمة أو حق قانوني، منها الدخول أو الحصول على معلومات يمكن اكتسابها بالخداع أو تزوير التواقيع والأختام، أو إدخال تعليمات وبيانات غير صحيحة من خلال الشبكة المعلوماتية، أو تحويل الأموال لعملاء وهميين، أو الحصول على منافع أو مستندات بالاحتيال.

ونظراً للآثار السلبية لتلك الجريمة اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً تبذل الجهات المختصة في الدولة جهوداً حثيثة لمكافحة الاحتيال الإلكتروني على محاور مختلفة: أولها ملاحقة مرتكبيه، والعمل على توعية الجمهور بحملات دائمة ومتكررة، وتغليظ عقوبة الاحتيال في ضوء ما ورد بالقانون رقم 5 لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات. وتظل المسؤولية ملقاة على عاتق الجميع بالحذر في التعامل مع غرباء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو الإفصاح عن معلومات سرية من خلال الهاتف، فلا يمكن لبنك أن يكلف موظفاً لديه بتحصيل أي معلومات أو بيانات سرية هاتفياً. كما يجب تجنب فتح رسائل مشبوهة عبر البريد الإلكتروني، أو الدخول إلى مواقع إلكترونية غير موثوقة، ويجب أن ندرك أن هناك تحديات كبرى لضبط هؤلاء المتهمين خصوصاً لو كانوا خارج الدولة، وصعوبة استرداد الأموال المنهوبة، لذا كن آمناً وتعامل بحذر.

تويتر