آراء

نحو مستقبل أكثر ذكاءً وعدلاً دون التضحية بإنسانيتنا

منذ قرون مضت، كان ولايزال النظام القضائي مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالعنصر البشري. وفيما لعب التطور التقني دوراً كبيراً في تسريع وتوضيح ورفع مستوى كفاءة هذا النظام، إلا أن العنصر البشري في نهاية المطاف، هو الحكم. وكما هي الحال في معظم نواحي حياتنا اليومية، من المتوقع أن يُحدث التطور الرقمي نقلة نوعية في النظام القضائي، لا سيما مع مواصلة التطور التقني المضي قدماً بخطى متسارعة، وأتحدث هنا عن الذكاء الاصطناعي، وهو مجال تسعى فيه دولة الإمارات إلى تبوؤ مرتبة الريادة، وقد تمكنت من تحقيق خطى فعلية في هذا المجال، كان من أبرزها استحداث منصب وزير دولة للذكاء الاصطناعي، وهو الأول من نوعه على مستوى العالم.

ولم تقتصر إنجازات الدولة في مجال الذكاء الاصطناعي على استحداث هذا المنصب، حيث أعلن أخيراً مركز فض المنازعات الإيجارية في دبي، وهو الذراع القانونية لدائرة الأراضي والأملاك في دبي، عن دخوله مرحلة الذكاء الاصطناعي، عبر إطلاق «الحُكم الذكي»، وهو أول منظومة قضائية ذكية على مستوى العالم، تنظر في المنازعات الإيجارية.

كما أعلنت دائرة القضاء في أبوظبي عن إطلاق المرحلة الأولى من مشروع «الذكاء القضائي»، الذي يهدف إلى زيادة كفاءة العمل القضائي في المحاكم والنيابات بمختلف تخصصاتها، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة من قبل الدائرة مع التركيز على تخفيض النفقات والتكاليف التشغيلية. وتضمنت المرحلة الأولى من المشروع، تطوير تطبيق قادر على التنبؤ بمدة الفصل في القضايا المنظورة لدى المحاكم الجزائية بدقة تصل إلى 94%.

****

تعتبر القدرة على التعلم من أهم مميزات الذكاء الاصطناعي، أي تكون الآلات والتقنيات قادرة على استنباط العبر من تجاربها، إن صح التعبير. فعلى سبيل المثال، سيكون الذكاء القضائي قادراً على التعلم من السوابق القانونية، وإصدار أحكام في المستقبل بناءً عليها.

لا شك أن توظيف الذكاء الاصطناعي سيرفع مستوى كفاءة النظام القضائي، إذ إن هذه التقنيات قادرة على معالجة آلاف المعاملات في جزء بسيط من الفترة الزمنية التي نحتاجها حالياً، كما أن دقتها عالية جداً ونسبة الخطأ فيها شبه معدومة، الأمر الذي يجعل توظيف هذه التقنية في النظام القضائي خطوة بديهة لا يختلف عليها اثنان.

إلا أن هنالك جانباً واحداً لا تتمكن الآلات أو تقنيات الذكاء الاصطناعي من محاكاته، في الوقت الراهن على الأقل، ألا وهو الجانب الإنساني، حيث ينظر القاضي في كل الجوانب المحيطة بقضية ما، ويأخذ في عين الاعتبار الظروف الإنسانية التي أدت إلى ارتكاب الخطأ أو الجنحة أو الجريمة، إلخ، وعليها قد يصدر القاضي حكماً مخففاً أو مشدداً بناءً على ما يراه مناسباً. وعليه نسأل، هل سيتحلّى الذكاء الاصطناعي بذكاء «عاطفي» يمكنّه من الأخذ في عين الاعتبار الجانب الإنساني لملابسات القضايا؟ أم سيكون هنالك لجنة من بني البشر تتولى النظر في ظروف وملابسات القضايا من الناحية الإنسانية، وبناءً على ذلك تقوم اللجنة بإصدار حكمٍ مخفف أو مشدد، على سبيل المثال؟

إن من أهم المزايا التي تجعل بني البشر كائنات ذكية وعاقلة قدرتها على التعاطف والإحساس مع الآخرين، وأخشى أن نفقد هذه القدرة مع اتكالنا المتزايد على الآلات والتقنيات.

مؤسس ورئيس مجلس إدارة «كلداري محامون ومستشارون قانونيون»

تويتر