تسجيل أول جريمة احتيال بـ «العملة الافتراضية» في دبي
ضبطت شرطة دبي أول جريمة احتيال بالعملة الافتراضية «بيت كوين»، ضحيتها ثلاثة شباب خليجيين يمارسون نشاطاً تجارياً عبر الإنترنت، إذ استولى شخص آسيوي منهم على عملة افتراضية تبلغ قيمتها 375 ألف درهم، قال إنه أنفقها خلال شهر واحد.
| حسابات يصعب تعقبها قال نائب مدير إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، سالم بن سالمين، إن إشكالية مواجهة الجرائم المرتبطة بالعملة الافتراضية أن الشركات المزودة لحساباتها موجودة خارج الدولة، ما يصعب تعقبها. وتعد «بيت كوين» عملة بشيفرة رقمية، ويسميها البعض عملة «إلكترونية»،وهي تختلف عن العملة المعتادة، إذ لا شكل أو مجسماً فيزيائياً لها، ويتم تداولها عبر شبكة الإنترنت فقط. وأوضح بن سالمين أن شرطة دبي تواصلت مع دائرة التنمية الاقتصادية والمصرف المركزي في هذا الشأن، وتأكدت من عدم وجود إطار تنظيمي أو قانوني لتداول هذه العملة. وتابع أن هناك ما يعرف بمحافظ «بيت كوين» في متاجر الهواتف الذكية، لكن لا يمكن الوثوق بجميع التطبيقات المستخدمة في هذا الشأن، مشيراً إلى أن التحقيقات كشفت عن وجود عدد كبير من المحتالين الذين يستغلون عدم إلمام كثيرين بطبيعة هذه العملة وكيفية تداولها. |
وقال القائد العام لشرطة دبي، الفريق خميس مطر المزينة، لـ«الإمارات اليوم»، إن حداثة هذا النوع من الاحتيال استدعت جهداً وافراً من قبل ضباط المباحث الإلكترونية، لأن المتهم لم يترك دليلاً وراءه، فقد استخدم شريحة هاتف باسم شخص غادر الدولة، وتخلص من الهاتف الذي كان يتواصل به مع الضحايا، ما استدعى إعداد كمين إلكتروني محكم، واستدراجه إلى عملية احتيال أخرى، وضبطه.
وذكر مساعد القائد العام لشؤون البحث الجنائي، اللواء خليل إبراهيم المنصوري، أن عملية البحث الإلكتروني في هذه الواقعة كشفت حقائق مهمة حول المواقع التي يتم فيها تداول العملة الافتراضية داخل الدولة، إذ تبين أنها غير مرخصة، وتمثل واجهة لمحتالين ومجرمين إلكترونيين.
وتفصيلاً، قال الفريق خميس مطر المزينة، إن بلاغاً ورد إلى إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية من ثلاثة شباب خليجيين، أفادوا بأنهم يمارسون التجارة والاستثمار مع شركة أوروبية موجودة خارج الدولة، وأن الشركة أبلغتهم بأن أرباحهم وصلت إلى 375 ألف درهم، وطلبت منهم تحديد طريقة لتحويل المبلغ إليهم.
وأضاف أن أحد الشباب شاهد إعلاناً عن «العملة الافتراضية» فأغرته الفكرة، وقرر هو وأصدقاؤه استثمار مبلغ الربح فيها، فطلبوا من الشركة التي يتعاملون معها تحويل المبلغ إلى عملة افتراضية. وقد صنعت لهم حساباً لدى إحدى الجهات المزودة لهذه العملة، وحولت إلى حسابهم 177 «بيت كوين»، ما يساوي 375 ألف درهم، لأن العملة الافتراضية الواحدة كانت تقدر حين تمت الصفقة بنحو 2120 درهماً.
وأشار المزينة إلى أن الشباب الثلاثة عرضوا أموالهم الافتراضية على مواقع إلكترونية مخصصة لتداول هذه العملة، فرصدهم المتهم، وبدأ بدراستهم، ثم تواصل معهم عبر أحد تطبيقات الدردشة، وعرض عليهم شراء ما لديهم من «بيت كوين» بمبلغ أعلى من السعر المتداول عالمياً، ووافقوا على العرض.
وأوضح أن «المتهم تصرف بدهاء بالغ، إذ أعد لنفسه حساباً وهمياً على موقع إنستغرام، وزيف عدداً كبيراً من الصور حتى يظهر لهم رجل أعمال بالغ الثراء، يملك سيارات وساعات فارهة، ويتجول في مختلف دول العالم لحضور اجتماعات»، لافتاً إلى أن فحص محتوى الحساب كشف أنه تلاعب بهذه الصور تقنياً بواسطة (فوتوشوب)، وأنه مجرد عاطل عن العمل».
وتابع المزينة أن «المتهم درس الضحايا جيداً، وعرف هواياتهم واهتماماتهم، حتى انجذبوا إليه، ووثقوا به، وقد تعمد عدم الالتزام بمواعيد عدة حددها لهم، بدعوى أن أعمالاً مهمة تطرأ على جدوله، نظراً لانشغاله المستمر، حتى اتفقوا معه على موعد نهائي لإتمام الصفقة في أحد الفنادق، لكنه تأخر عليهم كالعادة، وحين اتصلوا به، ادعى أنه عالق في زحمة السير، وطلب منهم إرسال اسم المستخدم وكلمة السر إلى حسابهم على تطبيق تداول (العملة الافتراضية) حتى يكسب وقتاً، ويتمكن من تحويل المبلغ المطلوب، وإنهاء الصفقة في الطريق، فأرسلوا له البيانات السرية بحسن نية، وخلال دقائق حول رصيدهم من عملة (بيت كوين) إلى حسابين باسمه، ثم أغلق هاتفه».
من جهته، أكد اللواء خليل إبراهيم المنصوري تشكيل فريق من إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية للبحث عن المتهم، لكن تحديات كثيرة واجهت الفريق، منها حداثة الجريمة ذاتها، إذ اعتبر بلاغها الأول من نوعه، إضافة إلى عدم وجود أي أدلة وراء المتهم.
وأضاف أن «الدوريات الإلكترونية بدأت تجوب المواقع التي تروج لعملة (بيت كوين)، واكتشفت أنها غير مرخصة من دائرة التنمية الاقتصادية، ولا تخضع لأي ضوابط من أي جهة، كما أن الشركة المزودة للحسابات التي حول المتهم المبلغ المختلس إليها لم ترد على محاولات التواصل معها».
وتابع المنصوري أن «فريق العمل فحص حساب المتهم على انستغرام، واكتشف أنه باسم وهمي وأن الصور الموجودة فيه مزيفة، ونتيجة لذلك أدرك رجال المباحث أنهم يتعاملون مع مجرم مختلف، لذا قرروا اصطياده بأسلوبه نفسه».
وأوضح أنهم أعدوا حساباً لأحد رجال المباحث الإلكترونية، واختاروه شاباً من عمر الضحايا حتى يبدو صيداً سهلاً، وزودوه بكل المقومات التي تدل على ثرائه، مثل الساعات الفخمة، ووفروا له سيارة فارهة، وجعلوه يعرض بيع 1000 وحدة (نحو مليون درهم) من العملة الافتراضية على الموقع ذاته الذي اصطاد المتهم منه ضحاياه الثلاثة.
وأضاف المنصوري أن: «فريق المباحث نصب الكمين الإلكتروني بانتظار سقوط الصياد، وخلال أيام ظهر المتهم بعدما أغرته الكمية المعروضة، واستخدم مع الضابط المتخفي الأسلوب ذاته الذي استخدمه مع الضحايا السابقين، فحرص على دراسته جيداً، وحدد له مواعيد عدة، لكنه أخلف فيها بدعوى انشغاله.
وفي أحد المواعيد المتفق عليها، رصد فريق المراقبة شخصاً يشبه المتهم، لكنه حليق اللحية والشعر تماماً، على عكس الصور الموجودة للمشتبه فيه، وبما يتناقض مع الشكل الذي يميز الفئة التي ينتمي إليها في بلاده، لكن رجال المباحث لم يستعجلوا القبض عليه، لإدراكهم أنه يراقب المكان بدوره.
ولفت المنصوري إلى أن لعبة «القط والفأر» استمرت قرابة شهر بين الطرفين، ضغط رجال المباحث الإلكترونية على المتهم خلالها بادعاء أن الضابط المتخفي باع نصف الكمية الموجودة لديه من العملة الافتراضية ولم يعد لديه سوى 500 وحدة، لافتاً إلى أن الأخير لم يستطع مقاومة الإغراء، فحضر في الموعد المحدد، وحين توجه إلى الضابط فوجئ بأنه تحول من صياد إلى فريسة.
من جهته، قال نائب مدير إدارة المباحث الإلكترونية، المقدم سالم بن سالمين، إن المتهم أصيب بصدمة بالغة، لأنه اتخذ كل ما يمكن من احتياطات لضمان عدم سقوطه، وأكد لفريق العمل أنه كان من المستحيل الوصول إليه لو لم يبتلع الطعم ويحضر إلى المكان.
وأضاف أنه تبين من خلال فحص هاتفه بواسطة «الأدلة الإلكترونية» وجود المعاملات التي أجراها في المبلغ الذي اختلسه من الضحايا، إذ حوله على حسابات عدة، وباع العملة الافتراضية المسروقة بسعر أقل من المتداول عالمياً، وحصل مقابلها على 290 ألف درهم بدلاً من 375 ألف درهم.
وقال إن المتهم حضر إلى الدولة في أبريل الماضي، وعاش شبه مشرد بين أقاربه وسكن عزاب، قبل أن تتبدل أحواله كلياً فجأة، إذ انتقل إلى شقة جيدة على شارع الشيخ زايد، ودأب على قيادة الدراجات البحرية نهاراً، والصحراوية ليلاً، وغيّر هيئته كلياً فاشترى عدداً كبيراً من الساعات باهظة الثمن، وطلب من أحد أصدقائه بيع عدد منها في بلاده.