مواجهات روسيا وجورجيا تهدد بــــاشتعال القوقاز

أوستيا الجنوبية دفعت ثمن طموحـات روسيا وجورجيا.   أ.ف.ب 
 
تنبئ المواجهات المتصاعدة بين روسيا وجورجيا حول اوسيتيا الجنوبية باشتعال الصراع من جديد في إقليم القوقاز، حيث يعتبر  الإقليم منطقة مهمة تربط مناطق إنتاج النفط في بحر قزوين بالأسواق العالمية، وهو الإقليم الذي تفجر فيه الصراع لسنوات عدة على طول الحدود الروسية، كان  أحدثها الصراع في الشيشان. وتعتبر الغارات والتوغلات الروسية داخل الأراضي الجورجية أخيراً أحدث إشارة إلى تزايد ثقة الكرملين في نفسه، كما أنها يمكن  أن توفر للقوات الروسية اختبارا لقدراتها العسكرية، والتي اجتهد رئيس الوزراء الروسي، فلادمير بوتين في تحديثها  ومدها بالعدة والعتاد خلال رئاسته للبلاد التي امتدت لعامين.

الاحتكاكات بين جورجيا واوسيتيا الجنوبية، والتي سعت للاستقلال عن جورجيا من جانب واحد، اتسمت بالتصاعد في بعض الأحيان، لكنها بدأت في الاشتعال منذ وصول الرئيس الجورجي، ميخائيل ساكاشافلي لرئاسة البلاد والذي عمل على توحيد الجبهة الداخلية. 

ويعتبر ساكاشافلي حليفاً لصيقاً للأميركيين الذين حاولوا ضم جورجيا لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، لكنه في الوقت نفسه شخصية مكروهة من الكرملين الذي يقول عنه انه «نصّب نفسه متحدثا رسميا باسم الحركة الديمقراطية والانحياز للغرب».  في مطلع العام الجاري، أعلنت روسيا أنها ستزيد من دعمها للمتمردين «عن جورجيا»  في الإقليم، ما دعا الأخيرة  الى  تفسير هذا الدعم الجديد بأنه مسعى لضم اوسيتيا لروسيا.

من جانب آخر، يكشف الصراع النطاق الضيق لسلطة الرئيس الروسي ديمتري مديفديف الذي اختاره سلفه فلاديمير بوتين خليفة له، تحدد الموقف الروسي من خلال البيان القوي الذي أدلى به بوتين خلال زيارته للصين لحضور افتتاح دورة الألعاب الاولمبية، بيد أن مديديف أدلى بتصريح أيضا حول الأزمة لا يستشف من خلاله المراقب الجهة التي تدير العمليات في مسرح القتال. ومن الناحية الرسمية فان هذه السلطة تقع ضمن نطاق مسؤوليات مديفديف، وان السياسة الخارجية خارج صلاحيات بوتين. 
 
 يعود تاريخ الحرب بين جورجيا واوسيتيا الجنوبية والتي كان يطلق عليها حتى وقت قريب  «الصراع المجمد» إلى  أوائل التسعينات من القرن الماضي عندما أعلنت  اوسيتيا الجنوبية وابخازيا عن استقلالهما من طرف واحد عن جورجيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتميز الإقليم بسلام يشوبه التوتر تشرف عليه قوات حفظ سلام روسية، إلا أن الاحتكاكات مع جورجيا ازدادت بقدر كبير عام .2004 
ويعتقد محللون «أن كلا من جورجيا وروسيا خططتا لاقتناص فرصة انشغال  زعماء العالم بافتتاح الألعاب الاولمبية 2008 في الصين في الوقت الجاري  للسيطرة على المنطقة وتسوية النزاع، قبل وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض». 

ويقول السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة، رتشارد هولبروك «إن الأهداف الروسية تبدو واضحة، وأن روسيا لديها  هدفان، الزحف لضم اوسيتيا الجنوبية وابخازيا لأراضيها والإطاحة بساكاشافلي الذي يعتبر شوكة في خاصرتها».
 على الصعيد المقابل يتمثل الهدف الجورجي الرئيس في هجومها على اوسيتيا الجنوبية في تقدم سريع نحو العاصمة الاوسيتية، تسخنفالي، والاســتيلاء على المنطقة ووضعها تحت الأمر الواقع، قبل أن تتمكن القوات الروسية من الاستجابة. 

لقد تم اختيار التوقيت بدقة ليتزامن مع وجود بوتين في الصين، لان غيابه كما تعتقد جورجيا من شأنه أن يؤثر على ردة الفعل الروسية فيما يتعلق بالقتال الدائر. وكانت حكومة ساكاشافلي زادت إنفاقها على القوات المسلحة، إضافة للمساعدات العسكرية والتدريب الذي تتلقاه من الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا، والخبرة التي اكتسبها جنودها في العراق، وساعدها ذلك على تحسين القدرات العسكرية لوحدات معينة، إلا أن كثيراً من الوحدات، بما فيها الاحتياط ظل يفتقر للتدريب والتسليح الحديث. 

وتستطيع القوات الجورجية التغلب بسهولة على القوات الاوستيتة الضعيفة، بيد أن أي صراع محتمل مع روسيا سيكون من الأمور القاسية جدا على جورجيا، حيث ان روسيا تتمتع بالسيادة العسكرية، وأسلحتها أكثر حداثة من أسلحة جورجيا.

وإذا ما تدخلت روسيا في الصراع بشكل مباشر، وهذا ما تتضح الآن معالمه، فإن استراتيجيتها العسكرية المحتملة تتــمثل في تأمين جميع المنافذ البريــة والجــوية، ومن ثم العمل على بناء قوتها على الأرض، مثل هذه العمليات تتطلب مساندة من القوات الاوسيتية الباقية على قيد الحياة والتي من المفترض أن تشن حرب عصابات على القوات الجـورجية، وهذا يوفر للقوات الروسية سيادة جوية وسيــطرة مدفعية طاغية، وليس من المحتمل أن تصمد القوات الجورجية في وجه هذا الهجوم لوقت طويل، وستضطر هذه القوات للانسحاب من اوسيتيا في غضون أيام.

لا تقوى  جورجيا على الاشتباك مباشرة  لوقت طويل مع القوات الروسية، وإذا كانت قد احتلت تسخنفالي لفترة فإنها ستسعى للحصول على نوع من وقف إطلاق النار. لكن الخطورة هي أن تورط كل من روسيا وجورجيا في صراع مباشر على أرض أوستينيا الجنوبية لن ينتهي فقط بتدميره لكنه سيشكل خطورة على مشروعات الطاقة الرئيسية مثل مشروع خط أنابيب باكو-تبليسي-كيبان وسينتهي بإشعال منطقة القوقاز.
 
  أوسيتيا من الانفصال إلى الحرب  
 1991: انهيار الاتحاد السوفيتي.
1992: صوتت اوسيتيا الجنوبية للاستقلال عن جورجيا في استفتاء غير معترف به، قضى الكثير في أعمال العنف، شكلت كل من روسيا واوسيتيا الجنوبية وجورجيا قوات حفظ سلام ثلاثية.
1993 صاغت اوسيتيا الجنوبية دستورها الخاص بها.
 2002 رئيس اوسيتيا الجنوبية غير المعترف به، ادوارد كوكويتي، طلب من موسكو استيعاب اوسيتيا داخل روسيا.
 2004: وعد الرئيس الجورجي المنتخب، ميخائيل ساكاشفلي بإعادة اوسيتيا الجنوبية وأجاريا وابخازيا للحظيرة الجورجية.
 2006: نظم مواطنو أوسيتيا الجنوبية جولة أخرى من الاقتراع  للاستقلال.  2007: انهارت المحادثات بين جورجيا واوسيتيا الجنوبية.
 2008: طلبت اوسيتيا الجنوبية من الاسرة الدولية الاعتراف باستقلالها.  طلبت جورجيا الانضمام لحلف الناتو، الامر الذي جعل البرلمان الروسي يطالب الكرمــلين بالاعتراف باوسيتيا الجنوبية وابـخازيا.
رفضت اوسيتيا الجنوبية عرضا جورجيا باقتسام السلطة.

اشتبكت القوات الجورجية مع قوات اوسيتيا الجنوبية وروسيا.
 
نقاط ساخنة  
 
تشكل منطقة القوقاز الاستراتيجية جغرافياً، قنبلة موقوتة حقيقية، غالبا ماتشهد نزاعات بين مكوناتها الاثنية المتعددة.

القوقاز الشمالي «روسيا»:
 داغستان:غ اكبر جمهورية في القوقاز الروسي تعيش فيها غالبية مسلمة، وكانتمسرحا بعد 1999 لتوغلات المتمردين الشيشان، ما اوقع مئات القتلى.

في اكتوبر 1999 اندلع النزاع الروسي-الشيشاني الثاني بعد توغل مجموعة من المقاتلين الشيشان، بقيادة شامل باساييف الى داغستان. وردت موسكو آنذاك بحملة عسكرية واسعة النطاق.

ومازالت الهجمات على ممثلي السلطات، لا سيما الشرطة تتكرر بكثافة في هذه المنطقة.  الشيشان:و اعلنت الشيشان استقلالها من طرف واحد في نوفمبر 1991، قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي.

عام 1994 وجه الرئيس الروسي بوريس يلتسين جيشه الى الشيشان، ومني بالخسارة.

وفيما كان يفترض الا تستغرق العملية أكثر من أشهر، طال النزاع، وتجاوز حدودالمنطقة، حيث اعلن باساييف في اوسيتيا الشمالية عن مسؤوليته عن اختطاف رهائن في مدرسة  بيسلان «331 قتيلا في سبتمبر 2004». الامر عينه جرى في موسكو، مععملية رهائن مسرح دوبروفكا «130 رهينة قتلوا في اكتوبر 2002». غير ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفع في عام 2003 شعار التطبيع، حيث نظم استفتاء دستوريا وانتخابات رئاسية.

واعلن عن انهاء «عملية مكافحة الارهاب» في يناير .2006 ولكن بالرغم من التطبيع مع المنطقة التي تشهد ورشة اعادة إعمار واسعة، مازالت الاشتباكات مع المتمردين تتكرر.  انغوشيا: يتشكل انغوشيا المحاذية للشيشان احدى اكثر الجمهوريات الروسية فقرا. واستقبلت نحو 300 الف لاجئ. وعلى غرار الشيشانيين، تعرض الانغوشيون للابعاد عام 1944 بامر من ستالين، بتهمة «التعامل» مع المانيا النازية.

وعلى الرغم من تجنب انغوشيا الانخراط في النزاع الشيشاني، غالبا ما تحملت عواقبه، من عمليات اختطاف، وقتل مدنيين وهجمات على الشرطة. في يونيو 2004 ادى هجوم شنه باساييف في انغوشيا الى مقتل 90 شخصا، اغلبهم من القوات الامنية.

وينتهج الرئيس الانغوشي مراد زيازيكوف الذي يترأس البلاد منذ 2002 سياسة قمع شرسة.
 اوسيتيا الشمالية: يانقسم اوسيتيا الى قسمين، فكانتالجنوبية من حصة جورجيا، في حين ذهبت الشمالية الى روسيا.

وتضم اوسيتيا الشمالية اهم قاعدة عسكرية روسية في القوقاز.

عام 1992، اندلع نزاع اسفر عن مقتل اكثر من 500 شخص بين اوسيتيا الشمالية حيث الاكثرية مسيحية وانغوشيا

. كما تحملت اوسيتيا الشمالية عواقب النزاع الشيشاني، لا سيما مع ازمة رهائن بسلان. ويتهم الاوسيتيون الاقلية الانغوشية المسلمة بتغذية الارهاب في المنطقة. القوقاز الجنوبي
 اوسيتيا الجنوبية:كفي يناير 1992 اعرب الاوسيتيون الجنوبيون، في استفتاء اثر نزاع مسلح مع جورجيا، عن ارادتهم الاستقلال والانضمام الى اوسيتيا الشمالية.

ونص اتفاق لوقف اطلاق النار بين جورجيا وروسيا في يونيو 1992 على نشر قوة فصل ثلاثية «اوسيتيون، جورجيون، وروس»، على طول الحدود بين جورجيا واوسيتيا الجنوبية. لكن الحوادث تكررت.

ولطالما كرر الرئيس الجورجي ميخائيل شاكاشفيلي انه يريد ضم اوسيتيا الجنوبية، حيث شن عليها هجوما عسكريا أخيرا.

ويحمل عدد كبير من مواطني اوسيتيا الجنوبية الهوية الروسية، كما اندمج اقتصاد المنطقة بروسيا التي تريد السلطات الانضمام اليها.

 ابخازيا: 9عام 1992، اعلنت منطقة ابخازيا الجورجية المشاطئة للبحر الاسود عن استقلالهامن طرف واحد.

واندلع نزاع استمر عاما بين الانفصاليين والقوات الجورجية، انتهى الى انتصارالابخازيين بدعم مفترض من روسيا، واوقع آلاف القتلى. ويضمن جنود روس الامن في المنطقة.

وبعد التوصل عام 2004 الى اعادة جمهورية ادجاريا الجورجية التي تتمتع بحكم ذاتي الى كنف تبيليسي، اعلن ساكاشفيلي انه حري بابخازيا واوسيتيا الجنوبية ان تحذوا حذوها. واقترحت المانيا خطة حل في يوليو 2008، قابلها الانفصاليون بالرفض. ووعد الرئيس الابخازي سيرغي باغابش لتوه بدعم نظيره الاوسيتي. واعلن لوكالة انترفاكس ان الف متطوع ابخازي يتوجهون الى اوسيتيا الجنوبية.
 ناغورني- كراباخ: نشهد هذا الجيب الارمني في اذربيجان نزاعا داميا في مطلع التسعينات في ظل تفككالاتحاد السوفياتي.

ومنذ اتفاق وقف اطلاق النار عام 1994 يخضع الجيب لسيطرة الارمن الذين انتصروا عسكريا. وتتوالى الاحداث بين القوات الارمنية والاذربيجانية منذ ذلك الحين.

الأكثر مشاركة