الحليب بدلاً من النفط

   
لم تكن مبالغة الفنان حسين عبدالرضا في مسرحيته الشهيرة «باي باي لندن»، عندما قال للمرأة الإنجليزية إن أطفال الخليج يشربون البترول بدلاً من الحليب، سوى تعبير حقيقي عن محدودية النظرة الغربية للمجتمعات الخليجية. وبعد مرور أكثر من ربع قرن على تلك المسرحية، وأسعار البترول تسجل ارتفاعات تاريخية، فإن مواطني تلك الدول التي تكتوي بنار النفط، لابد أنهم سيظلون مأسورين لهذه الفكرة الغبية، ولا أخال أنهم في بعض منها يملكون الحق في ذلك.


فبالله عليكم كيف تريدون أن ينظروا إلينا ونحن لا نخرج إليهم إلا بصورة أبناء الأثرياء فقط، فمن هم أولئك الذين يسافرون إليهم أو يلتقون بهم، أو حتى يستقبلونهم إذا حلوا في بلادنا، وما هي الفكرة التي يحملونها عن بلادنا، غير أنها أبراج عالية وثراء فاحش، لذا لا تستغربوا إذا ربطوا تلك الصورة النمطية عن بلادنا بالنفط.. ولا شيء غيره.

 

ألسنا شعوباً فينا الأثرياء ومتوسطو الدخل والفقراء؟ أليس بيننا من يكتوي بارتفاع الأسعار، بل ومن لا يجد قوت يومه؟ ليس المجال هنا للتفاخر أمامهم بما ترزح تحته مجتمعاتنا، لكننا بالتأكيد لا نرغب أن نعكس الآية، فيعتقدون أن نحو 30 مليون خليجي يعيشون في رغد من العيش وثراء، وفي حديقة منزل كل منهم بئر للبترول، يكتفي بها إلى ما شاء الله.


نعم الخليجيون ليسوا كذلك، فكما أننا نستفيد من ارتفاع أسعار النفط ، فنحن نتضرر أيضاً من هذا الارتفاع الذي ربما لا يلبي تطلعات المواطن البسيط. لكن ما علاقة الغرب بكل هذا؟ المسألة ببساطة أنهم لا يعون أن هذا الارتفاع البترولي المجنون، يتضرر منه أيضا أبناء الخليج، على عكس ما تحمله الصور السلبية العديدة التي تتصاعد شيئاً فشيئاً ، ليس لدى الغربيين فقط، بل لدى بقية دول العالم المتضررة من أسعار النفط.


تصحيح الصورة السلبية عن أهل الخليج، قد يسهم في تخفيف الاحتقان الكبير الموجه ضد الدول الخليجية وشعوبها، والتي يراها الكثير من الغربيين سبباً في الكارثة التي حلت بهم. دعك من الحديث- بالمنطق أو بغير المنطق- عن ما يحدث بالسوق النفطية، أو كما يريد البعض تطبيق المثل المصري «بين البايع والشاري يفتح الله»، فنحن الآن نعيش في عالم تسيطر عليه المصالح والعلاقات الدولية التي يحكمها منطق القوة والضعف، وليس المبادئ والمثل العليا، ولن يكون بمقدورنا العيش على طريقة أنا ومن بعدي الطوفان، ولو وصلت رسالتنا إلى الغرب بأن ارتفاع أسعار النفط ليس كله خيراً على الخليجيين، كما أنه ليس كله شرا عليهم، لربما تغيرت تلك الصورة السلبية لديهم. ما يهمنا في المقام الأول هو كيف ينظرون إلينا كشعوب، أما علاقتهم بالحكومات فإن الساسة أدرى بتصريف أمورهم. الخوف كل الخوف من أن يتضرر المواطن الخليجي من الجهتين، فلا هو سلم من النظرة السلبية الغربية، ولا هو امتلك بئراً من النفط!

 


ssalmand@gmail.com

الأكثر مشاركة