| حين يقول شاعر بحجم هنري دولوي وعمره ايضا: إن حضارة الغرب التي هي حصيلة العمل والمال لن تكون حضارة المستقبل بالنسبة الى الإنسانية، فهذا يعني أن العالم كله ينتظر حضارة أخرى قادرة، على أن تحل محلها، غير أن السؤال الذي يبرز هنا هو: ما هذه الحضارة وما جوهر روحها ؟ وحين نقف أمام حضارة دمرتها القسوة، نتخيّل الأخرى وهي تقوم على الحس الاخلاقي أولا، ونتخيّل أنها بلا انعطافات ولاالتواءات استعمارية ايضا.
كما نتخيل ـ مادام الخيال متاحا ـ أن لا مكان فيها لرجال سيئين،لأن هؤلاء الرجال المندفعين بقوتهم قد استبدلوا بقدرة قادر بآخرين تلمع الدموع في عيونهم ويحزنون جدا، إذا جرى تشويه الوجه الأخلاقي الأعمق للحياة. وبناء على ما تقدم يحق لنا، أن نحلم بحضارة غير قائمة على الأفكار الكبرى، لأن هذه الأفكار جربت، الى أن سقطت على الطريق، قبل أن تنجر شيئا من أدبياتها الداعية الى تشكيل نظام اجتماعي يستخدمه الناس من أجل سعادتهم التي قد تكمن في حرية مصونة، او بيت جميل بزخارف قرنفلية، أو عدة أحلام تتحقق على مهلها، أو قصة حياة بسيطة وبلا حبكة معقدة. قد ينتمي هذا الكلام الى مخيلة الشعر أو أوهام اليوتوبيا الناجمة عن صدمة الواقع،ولكن من يصخ السمع الى قلب العالم سيجد انه يعاني من الاحتشاء وأن ضرباته قد بدأت تضطرب. نحن الآن أمام عالم متعب من كل الذين مارسوا العمل الذهني، ومن الذين تحركت أياديهم الطيّعة في دفعه الى الأمام أو الى العتمة. نحن الآن أمام عالم يحتاج الى حضارة بسيطة تنفذ الى المعنى، والمعنى هنا هو «اننا جئنا لكي نعيش»، فلا غرو بعد هذا أن نقول، إن الحضارات التي لمعت وقادت العالم لقرون كثيرة، قد عاشت على لحم الإنسان وعظامه. والأنكى من ذلك أن سلطتها كانت مستمدة من بلاهة الاستخفاف بهذين العنصرين لا أكثر. منذ ما يقارب القرن ونحن نتصور أن الحضارة تشتق من الثقافة وأنها جملة من التصورات والقيم والأفكار والمعتقدات، ولكن ما من واحد من مفكري هذا المجال، ترك التنظير وتوقف عند الحيّز التطبيقي؛ وعليه باتت الحضارة مجرد أفكار غير مستأنفة. نحتاج الى حضارة لا تقوم على مصادر الفلسفة اليونانية أو حتى تجلياتها العربية، أوعلى الليبرتارية وما نتج عنها من تفريعات انشطارية، فكل هذه الفلسفات والحركات الفكرية والسياسية، فشلت عن الاحاطة بما يهم الانسان وما يجب أن يكون عليه. نحتاج الى فلسفة تقوم على «الانسان» بحسب «اوكتافيو باث» ونظرته المطالبة بعودة المسافر الباطني، بعد الضياع في التاريخ من جديد الى الصفاء، كما نحتاج الى قوله البليغ «ليس الإنسان إنسانا إلا بين البشر» اضافة الى خياله المبثوث في قصيدته «غرفة الأصدقاء» التي صارت غرفة لكل العالم. zeyad_alanani@yahoo.com |