«أولاد الزنى».. في انتظار القتل

آمات اسكلنتيه متوسطاً طاقم ممثلي الفيلم. أ ف ب


كل شيء هادئ، لقطة طويلة للكاميرا لشخصين قادمين من مسافة بعيدة، تبقى اللقطة متواصلة إلى أن يقتربا ويمسيا أمامنا، ومن ثم تتابعهما الكاميرا وتصير خلفهم.

 

 الهدوء قاتل، وسيقتل لا محالة ما أن ينقضي. المكان سان دييغو في الولايات المتحدة، على الحدود مع المكسيك، البشر الذين يرصدهم فيلم «لا باستردو» (أولاد الزنى) للمخرج المكسيكي آمات اسكلنتيه، هم العمال المكسيكيون غير الشرعيين في أميركا، وليتواصل ما بدأنا به، فإنهم يقفون على جانب الطريق وينتظرون أي سيارة يفاوضهم من بداخلها للعمل، وهم يقبلون أي عمل وأجرهم مقابل الساعة، ولنجدهم يعملون في استصلاح أرض وتنظيفها، وحين يرفض من استقدمهم أن يوصلهم بعد انتهائهم من العمل، يتطاير الشرر من أعينهم ويستكين صاحب الأرض ويوصلهم.

 

يخرج اسكلنتيه من مجموعة العمال المكسيكيين، عاملين كان قد بدأ الفيلم معهما، ويلاحق حياتهما، الأول اسمه خيسوس (خيسوس رودريغز) والثاني الأصغر عمراً فاستو (روبن سوسا) حيث نشاهدهما في حديقة يفترشون العشب، لكن بعد أن تلاحقهما شتائم وإهانات مجموعة من الشبان الأميركان «البيض»، ونجد خيسوس يهدئ من روع فاستو.

 

نكتشف بعد ذلك أن بحوزتهما مسدساً «بوب آكشن»، وبين الحلم والحقيقة نرى فوستو ينتقم من الشبان الذين استهزأوا به، ويبقى الأمر دون ايضاح، إن كان ذلك قد حدث حقيقة، كون ذلك يسبق استسلام فوستو لقيلولته تحت ظل شجرة.

 

سواء حدث ما تقدم أو لم يحدث فإن ما خفي أعظم، إذ ينتقل الفيلم إلى بيت نجد فيه فتى مراهقاً يستمع للموسيقى، بينما أمه تعد الطعام، ومن ثم يتناول الفتى طعامه على عجل مع أمه ويغادر البيت، لتبقى الأم وحيدة تخرج من إحدى الخزانات صندوقاً نكتشف أنه يحتوي نوعاً قوياً من المخدرات، تدخنه بواسطة أنبوب زجاجي ولتدخل في ما يشبه الغرق في عالم آخر، ولينتهي ذلك بنومها.

 

بخط موازٍ نعود إلى خيسوس وفاستو لنجدهما يتسللان إلى بيت، فإذا به بيت تلك الأم، يدخلان وتبقى غارقة في نومها.

 

إيغالاً في الهدوء الموتور والمشدود، فإنهما وحين يوقظان المرأة النائمة، فإنهما يسألانها أن تعد لهما الطعام، ومن ثم يكتشفان المخدرات، وعليه يجبر خيسوس المرأة أن تدخن منه، ومن ثم يسألها لدى اكتشافه وجود بركة سباحة في البيت، أن تنزل إلى البركة برفقته وفاستو، حيث يدخنون جميعاً وبهدوء قاتل.

 

يعودون إلى داخل البيت، خيسوس مسيطر على كل شيء بثقة، بينما يهيمن على فاستو الخوف والتردد والقلق، ومن ثم يقدم خيسوس على مداعبة المرأة، وبطريقة مقززة غير عنيفة، مع التأكيد أن المرأة دخلت في حالة استرخاء واستسلام تامّين لكل ما حولها، ولعل المخدرات ساهمت في ذلك. لا يقع أي فعل اغتصاب، ويكون المشاهد في صدد الاعتقاد أن الأمور ستمضي على ما يرام، وأن خيسوس كما نراه يتجول في البيت ويجمع كل ما يقع عليه من مال أو مجوهرات، بينما فاستو جالس إلى جانب المرأة المستسلمة لاسترخاء كامل، وما هي إلا ثوانٍ حتى تحاول أن تأخذ المسدس من فاستو، وبلمح البصر ينتفض ويطلق النار عليها فيصيبها في رأسها، الذي يتهشم ويتطاير الدم واللحم على الجدار خلفها بطريقة مروعة. صدقوني أمام هذا المشهد لن يكفي الصراخ، سيتعداه إلى حجم هائل من الصدمة والخوف والرعب، وليس ذلك كل شيء، ومع دخولهما أي خيسوس وفاستو إلى الحمام ليخرجا من الشباك الذي دخلا منه، يكون الابن قد عاد إلى البيت، وما هي إلا ثوانٍ حتى يدخل إلى الحمام بالمسدس نفسه ويطلق النار على خيسوس ليتكرر مشهد أشد إيلاماً، ينجح فاستو بالهرب، ولا يكتفي الابن بذلك بل يمضي بضرب جثة خيسوس إلا ما لانهاية.

 

ينتهي الفيلم وفاستو يعمل مع المجموعة نفسها التي رأيناها أول الفيلم، إنه يقطف الفراولة.

 

لن أعلق على كل ما تقدم، لكن أؤكد حجم المفاجأة التي يحملها هذا الفيلم، ولكم أن تعيدوا كل ما تقدم سرده لتجدوا أن كل ما يفاجئ يأتي من الجهة غير المتوقعة، وعلى شيء مختلف عن فيلم الألماني مايكل هنكه «هيدن» حيث كان الرهان فيه على الإيقاع لنصل من يذبح نفسه، وليكون مع «أولاد الزنى» على شيء من تسخير كل ما في الفيلم لنصل نهايته المروعة.

الأكثر مشاركة