كالفن كــلاين.. رجـــــل الأناقــــة البســيــطة
|
|
|
| اختلفت أفكار كلاين وتصاميمه عن جميع معاصريه من مصممي الأزياء «غيتي» لم يكن ليراود المصمم الأميركي كالفن كلاين أي حلم؛ سوى أن يكون مصمما للأزياء يوما ما، الأمر الذي لم يتهاون للحظة في أن يسعى لتحقيقه، متحولاً بعد سنوات إلى أحد أهم مطوري شكل الأناقة الأميركية البسيطة شديدة العملية، عبر علامة تجارية من مليارات الدولارات، لم تستصعب عليها دولة، وليعتبره الكثيرون ذا حس مبتكر في الأزياء، وعبقرية تجارية فذة، جعلت العالم يلقبه بـ «كالفن الفاتح» للتأثير الواسع الذي حققه في صناعة الأزياء العالمية، على مدى 40 عاما من الابتكار، الذي كان من أشهره «الجينز الضيق». ولد ريتشارد كلاين في 19 نوفمبر من عام 1942، وصاحبه شغف الأزياء منذ طفولته المبكرة، تحديداً منذ كان في الخامسة من العمر، مترعرعا في منطقة «البرونكس» الفقيرة في مدينة نيويورك لعائلة نمساوية ـ هنغارية مهاجرة، تعاني من وضع مادي شديد التواضع، كان فيها الابن الثاني بين ثلاثة، بينما كان والده يمتلك دكانا صغيرا لبيع المواد الغذائية، شهد فترات طويلة من طفولة كلاين، الذي عادة ما كان يساعد والده في العمل. طفولة منعزلة لطالما كان كلاين مختلفاً عن بقية أقرانه، فلم يكن ذلك الطفل النشيط المائل للشقاوة المحب للعب وممارسة الرياضة مع من في مثل سنه، فغالباً ما كان يقضي وقته في المنزل، يعلم نفسه الرسم وخياطة التصاميم، بينما لم يتعد عدد أصدقائه أصابع اليد الواحدة، واجداً في هوايته عزاءه ووسيلته الوحيدة لقضاء الوقت والاستمتاع به، بينما كان في أحيان عدة يرافق والدته خلال رحلات التسوق في المدينة ومتاجرها العديدة، بحثاً عن البضائع المعروضة في اسواق التخفيضات، الأمر الذي جعله يغذي حبه وشغفه وفضوله بالملابس بشكل أكبر. حب الأزياء ومعرفة الهدف جعلا كلاين يلتحق بثانوية الفن الصناعي، وهو المكان الذي رغب أن يعزز فيه حبه للأزياء، ليلتحق بعد ذلك، وهو لايزال في الـ 20 من عمره، بمعهد تكنولوجيا الأزياء الشهير في نيويورك، إلا أنه لم يتمكن من إكمال دراسته الأكاديمية، مفضلاً خوض التجربة الحقيقية، وبدأ التدريب في مصنع للملابس عام 1962، قاضياً بعد تركه الدراسة خمسة أعوام عمل فيها مصمماً لعدد من دور الأزياء النيويوركية، بينما تزوج من زميلة الدراسة جاين سنتر عام 1964، منجباً منها طفلته مارسي، التي تعمل حالياً منتجة مواهب لبرنامج «ساترداي نايت لايف» لشبكة «إن بي سي»، بينما تم الطلاق بين كلاين وسنتر عام 1974، أي بعد 10 أعوام من الزواج، ليتزوج لاحقاً عام 1986 من سيدة المجتمع كيلي ريكتور، التي كانت خريجة المعهد ذاته، حيث عملت معه منذ زواجهما وعرفت بتصويرها الأحداث الاجتماعية، إلا أن زواجهما لم يدم هو الآخر، وتم الطلاق في مارس 2006، إلا أنهما استمرا على علاقة صداقة شخصية ومهنية وطيدة منذ ذلك الحين. عمل لم يفتخر
به بعد فترة التدريب، بدأ كلاين يحصل على 75 دولاراً في الأسبوع مقابل رسمه تصاميم معاطف أوروبية لدار «دان ميلستين»، وهي الفترة التي لم تظهر خلالها موهبة أميركية حقيقية تتبنى تصميم المعاطف، فكانت طباعة أفكار التصاميم الأوروبية أمراً رائجاً ومربحاً في تلك الفترة، بينما استفاد كلاين خلال هذه الفترة من الخبرة والحصول على نظرة داخلية لعالم صناعة الأزياء وأساليب الترويج والاتجار بها، صاقلاً بذلك مواهبه، على الرغم من أن روتين نسخ التصاميم الأوروبية لم يكن أمراً يفتخر أو يرغب به كلاين، إلا أن كل مرحلة من مراحل حياته المهنية كان لها أثر كبير وحقيقي في ما آل إليه لاحقاً.
لم يكن حلم كلاين في تأسيس علامته التجارية وشركته الخاصة أمراً يفارق مخيلته، تلك العلامة التي رغب في أن تحمل تصاميم أصيلة ومبتكرة ومقبولة الأسعار، يمكن أن تنافس تقليد التصاميم الأوروبية المُبالغ في أسعارها، والتي كانت تحتكر الطلب في الأسواق آنذالك، مؤمناً بإمكانية أن يكون لأميركا نمطها وتوجهها الخاص والناجح والمطلوب في تصميم الأزياء وأن تنافس وتحصل على المكانة الفضلى حول العالم، وأراد كلاين أن يكون من يقود هذا المجهود الحلم. انطلاقة متواضعة ورغم أن كلاين كان يعتبر عملياً رجلاً مفلسا في تلك الفترة، يعمل في أوقات جزئية في متجر والده للحصول على بعض المال الإضافي، إلا أنه كان واثقا من قدرته على التصميم وإدارة تجارته الخاصة، مستوحياً تصاميمه من نيويورك المعاصرة وروحها العفوية والبسيطة، بدأ كلاين العمل على إطلاق شركة ملابســه الخاصــة عام 1968، وذلك بدعم مادي من صديق طفولته باري شوارتز، موظفاً عدداً من الخياطات المحليات لتنفيذ المعاطف والفساتين التي يقوم بتصميمها، وفي تلك الفترة الوليدة من حياة كلاين المهنية، زار مدير مشتريات لمتجر بونويت تيلير، متجر كلاين المتواضع، من دون أن يبدي رأيه، وفي غضون أسابيع قليلة، اشترت المتجر الراقي المتخصص في البيع بالتجزئة لعدد من العلامات التجارية، بمبلغ وصل إلى 50 ألف دولار، لتعرض في المتجر وواجهاته تصاميم كلاين قبل أن يقوم بابتكار خط لملابس الرياضة. أب روحي كان كلاين محظوظاً في التعرف إلى رئيس تحرير مجلة «لايف ستايل» الأميركية الأسبوعية «تاون آند كونتري»، ومحرر الأزياء الشهير وذي المكانة الكبيرة في عالم الأزياء في كل من مجلة «فوغ» و«هاربرز بازار» بارون دي غنزبورغ، الذي تحول حامياً وأباً روحيا لكلاين، حيث استطاع من خلال مقالات غنزبورغ عنه أن يتحول من مصمم أزياء شاب صاعد، إلى محط أنظار نخبة مشهد الموضة النيويوركية، حتى قبل أن يطلق خط أزيائه الأشهر من سراويل الجينز، حيث صرح لاحقاً في أحد لقاءاته الشهيرة، التي نشرت بعد فترة بسيطة من وفاة البارون، قائلاً عنه «كان بحق ملهمي الأعظم في حياتي، لقد كان معلمي، عند الحديث عن البارون لا يمكنني سوى أن أتحدث عن الرجل بأناقة ورقي حقيقي، لا أريد أن أبدو مغروراً، إلا أنني سأقول ببساطة، إنه لم يكن هناك شخص مثله، كنت في أحيان كثيرة أفكر، يا إلهى إنه يضعني في مواقف صعبة، ولكنني محظوظ جدا لأنني تمكنت من معرفة شخص مثله بذلك القدر ولتلك الفترة الطويلة»، ومع موهبته ورعاية البارون له، استطاع كلاين أن يحظى بالاهتمام بشكل سريع، مع أول عرض أزياء له في أسبوع نيويورك للموضة، ليعتبره النقاد «ايف سان لوران الجديد»، مشتهراً بخطوطه الواضحة. ا لجينز الضيق مع انتشار اسمه وعلامته على ساحة الأزياء، وتصاميمه التي كانت تنشر بشكل منتظم على صفحات مجلة «فوغ» و«هاربرز بازار»، أطلق كلاين في مطلع سبعينات القرن الماضي، سرواله الجينز الأشهر، الذي طوره ورفعه إلى مرحلة مختلفة وشكل مختلف للجينز، وحوله إلى قطعة راقية، عبر تنفيذه بخطوط واضحة وضيقة جداً، بالإضافة إلى ترويجه الذكي لسراويله من خلال وضع علامته على الجيب الخلفي منها، بالإضافة إلى إطلاقه عدداً من الإعلانات الجريئة التي ظهرت في أحدها الممثلة الأميركية الشهيرة بروك شيلدز، التي كانت تبلغ 15 عاما في ذلك الإعلان الشهير، الذي ظهرت فيه في سروال كلاين شديد الضيق وعبارة «لا شيء يحول بيني وبين كالفن الخاص بي»، محولا السروال إلى «جينز مصمم» تهافتت عليه الجماهير واستطاع أن يبيع منه نحو 40 ألف قطعة في الأسبوع الواحد. مع حلول العام 1982، استطاع كلاين أن يغزو عالم الملابس الداخلية بقوة، مضيفاً اسمه على السراويل الداخلية الرجالية والنسائية، ومقارباً الملابس الداخلية النسائية من تلك الرجالية، معطية تأثيراً أنثوياً ذا نزعة قوية ومريحة في الوقت ذاته، بينما قرر غزو عالم العطور مع نهاية الثمانينات، مع إطلاقه أول عطوره «أوبسيشن» و«إيتيرنيتي»، بينما وسع كلاين علامته التجارية لاحقاً لتشمل ملابس البحر، والاكسسوارات، والنظارات، والجوارب. وبدأ في مطلع التسعينات، العمل على مجموعات أقل كلفة، ذات إطلالة يومية غير رسمية تحت علامة «سي كي»، بالإضافة إلى دخوله عالم الديكور المنزلي، حيث تنوعت إكسسوارات المنزل بين مناشف للحمام، إلى شراشف وبياضات حملت اسمه، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أطلق خطه للمكياج، لتصل أرباحه السنوية إلى ستة مليارات دولار.
نقد
واجه كلاين خلال حياته المهنية سلسلة من النقد الشديد، حول حملاته الدعائية التي عادة ما كانت تميل إلى الإيحاءات الجريئة، بينما أثار في عام 1995 جماعات العمل ضد الإباحية في أميركا، وذلك بعد سلسلة من الإعلانات التي أظهرت مجموعة من المراهقين في أوضاع جريئة، ولم يكن من كلاين سوى أن أزال لوحات الإعلانات من الشوارع بعد أن تم شجبها من قبل الرئيس الأميركي في تلك الفترة بيل كلينتون، والاتحاد الكاثوليكي.
|