«تكميم الأفواه»!

    

 استمعت وبـ«دقة» متناهية لتصريحات قاضي مروشد لقناة «دبي الرياضية» حول «أسلوب عمل» لجنة الحكام في اتحاد الكرة، ولم أجد في أي كلمة من كلماته ما يمكن اعتباره «قذفاً، أو سباً، أو فعلاً فاضحاً، أو إساءة» إلى اتحاد الكرة.. ومع ذلك تمّ تغريم قاضي مروشد 20 ألف درهم على هذه التصريحات!
ومن قبل قاضي تم تغريم كل من أحمد بن هزيم، وحسن طالب، وعبدالله صالح، وغيرهم، لأسباب مشابهة، وهي -في رأيي الشخصي-«انتقاد» عمل الاتحاد واللجنة، على اعتبار أنهم «فوق النقد» ولا ينبغي المساس بـ«ذواتهم»، وتطبيقاً للمادة 119 من لائحة المسابقات التي «تحظر» على النادي أو أحد من أعضاء مجلس إدارته أو مدربيه أو لاعبيه النشر في وسائل الإعلام، بما يتضمن قذفاً، أو سباً، أو فعلاً فاضحاً، أو إساءة الى أحد أعضاء مجلس الإدارة، أو أحد العاملين في الاتحاد، أو في لجانه».
 
 ونحن نتفق تماماً مع المادة المذكورة، ونؤكد عدم قانونية السبّ والقذف، المحظور أيضاً في قانون العقوبات الاتحادي للدولة، ولكن يبدو أن اتحاد الكرة لم يصل بعد إلى الخيط الفاصل بين الانتقاد، والسب والقذف، وبالتالي، فإن المادة المذكورة أصبحت «حقاً أريد به باطل»، فانسحبت العقوبات على كل من يتجرأ ويتحدث عن الاتحاد، أو لجانه، أو العاملين فيه، وبمعنى آخر، ترسيخ نظرية «تكميم الأفواه» بكل معنى الكلمة!
 
من حق حكم المباراة أن يلجأ إلى القضاء لو تجرأ المروشد ووجّه له سباً علنياً على شاشات التلفزيون، لكني أشك في أن الحكم يستطيع رفع دعوى جزائية على المروشد، لأنها، ببساطة، لن تُقبل؛ حيث لم يتفوّه بما يمكن اعتباره قذفاً، ومن المنطقي جداً أن لا يقع أحمد بن هزيم في مطبّ «جنائي» وهو مدير محاكم دبي، ويعرف تماماً الفارق بين الانتقاد، والسب والقذف.  
 
إذاً، لا حق لدى اللجنة لتطبيق العقوبة عليهما؛ لأنهما لم يخالفا أصلاً المادة المذكورة، والموضوع برمّته لا يخرج عن كونه وسيلة مبتكرة لـ«إخراس» الألسن، و«الحجر» على الآراء، و«تسكيت» الناس، وهو ما يعدّ مخالفاً لدستور دولة الإمارات، وجميع القوانين الأخرى التي تكفل حرية الرأي والتعبير، ولا تضع أحداً فوق «النقد»!
 
القضية -في اعتقادي- ابتعدت عن الرياضة، لتقترب أكثر من «تقييد» حرية كفلها الدستور للجميع، وهي حرية الرأي والتعبير، ولا أعتقد أن طبيعة عمل اتحاد الكرة، أو أيّ من لجانه، تستدعي التعامل مع رؤساء الأندية وأعضاء مجلس الإدارة بمنطق الفصل الدراسي الذي «تنكتم» فيه الأفواه، وتسيطر عليه عبارة «ولا اسمع نفس»، إذا تحدث المدرس أو الناظر! 
 
 ومع أني أشك في أن اتحاد الكرة سيمنعني من ممارسة لعب الكرة مع الأصدقاء، كل جمعة، في نادي بلدية دبي، بعد مقال اليوم، الا أنني مصرٌّ على أن أدعوه إلى إعادة النظر في هذه المسألة المهمة، كما أدعو المتضررين منها إلى اللجوء للقضاء؛ لأنه القادر على التفريق بين السبّ والقذف، والانتقاد غير المضرّ.
 
 وإن كان «لاذعاً»؛ لأنه من الواضح جداً أن الخلط سيستمر لو ترك الأمر لتقدير لجان الاتحاد  
 
   reyami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة