غريغوري بك.. حديث محفوف بالرومانسية
|
|
|
|
قد أبدو في الستين من العمر، وربما أكثر لا أقل، إن رويت كيف تجسّدت في مخيلتي صورة الممثل الأميركي غريغوري بك بمجرد معرفتي أن يوم السبت الماضي كان ذكرى مولد هذا النجم الذي توفي في الثاني عشر من يونيو عام .2003
قفزت صورته وهو يحتل الشاشة بوسامته، وكذا حضوره الطاغي الكفيل بوضع حدّ لكل حضور يحاول مجاراته، وعلى شيء من ميزات البطل السينمائي حين كان الزمن مكـرّساً للحضـور المشـرق والمدوي للنجم.
للمفارقة، يأتي الحديث هنا عن بك مع نبأ وفاة ممثل من جيله، وأقصد هنا تشارلتون هيوستن الذي كان يصغر بك بثماني سنوات، وإن كان هيوستن بنكهة مختلفة عن بك، هيوستن الشكسبيري، الإغريقي، مارك أنطونيو في «يوليوس قيصر» و«انطونيو وكيلوباترا»، وغيرهما من أدوار كثيرة كانت على اتساق مع قسوة خاصة، وقدرة استثنائية على التجهم والمأساة.
بينما غيرغوري بك العاشق، المغامر، الذي تنتصر رقته في النهاية، رغم قدرته الأسطورية على أن يلكم بعنف، ورفضه الدائم لأن يمثل عنه تلك المشاهد العنيفة «دوبلير».
مع بك الحديث محفوف برومانسية ما، بأدوار خيّرة كان يقول عنها إنها أصعب من الشريرة؛ كونها لا تستهوي المشاهد عادة، والتحدي بالنسبة إليه يكمن في دفع المشاهد لأن يحبها، فهو المغامر الوسيم في «كيف ربح الغرب»، والكاتب سكوت فينزجرالد في «الكافر المحبوب»، والكابتن جونسون في «العالم بين ذراعيه»، كما أنه إيهاب «موبي ديك»
وكل ما تحمله هذه الشخصية من قلق وجودي لا يتسع له البحر، ولا يخفف من غلوائه صيده الحيتان، إيهاب الذي أمسى لصيقاً بغريغوري بك، كما لو أنه نقل تلك الشخصية من الورق الذي أبدعها عليه هرمان ميلفل، ليكون هو وحده المجسد البصري لها حين أخرج الفيلم جون هيوستن عام .1956
لن نواصل إلى ما لا نهاية استعراض أفلام بك التي تجاوزت الـ60 فيلماً، يكفي أن نورد هنا شيئاً عن بدايته عام 1944 مع فيلم «أيام المجد» حيث لعب شخصية فلاديمير، ورشح عن دوره هذا لأوسكار أفضل ممثل، كما أنه من الضروري تأكيد أنه رُشح للأوسكار خمس مرات، وليأخذ هذه الجائزة عن دوره الشهير في فيلم «قتل الطائر المحاكي»
المأخوذ عن رواية هاربر لي الشهيرة التي مازالت إلى الآن تشكّل ظاهرة على صعيد عدد النسخ المباعة منها حول العالم، حيث وصلت في آخر مرة وقعت بين يدي إلى 35 مليون نسخة، وليكون نقلها إلى فيلم على يدي المخرج روبرت موليغان عام 1962، وتجسيد بك لشخصية اتيكوس فينش بمثابة نقل هذا النجاح إلى نجاح سينمائي راح يمشي جنباً إلى جنب مع الرواية. وبما أن الحديث عن الأوسكار؛
فإن بك ترأس أكاديمية الفنون الأميركية، ويرتبط اسمه بأنه المسؤول عن قرار تأجيل حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 1968، والسبب اغتيال الزعيم مارتن لوثر كينغ، ليكون هذا التأجيل هو الوحيد في تاريخ الأوسكار حتى وقتنا هذا.
بدأت حديثي بإبعاد أي شبهات عن تقدمي في العمر، وأنهيه بتأكيد أن غريغوري بك على ارتباط وثيق بعشق السينما لدى جيل كامل، لكم أن تجدوه لدى الآباء، وربما الأجداد، وكمية الذكريات التي يمكن أن يثيرها لديهم، يمكنكم الاستعانة بقناة «تيرنر كلاسيك موفيز» للتأكد من ذلك؛ كونها الحارس الأمين على تراث السينما الأميركية.
|