من المجالس

عادل محمد الراشد

 
عندما يئس أبو سفيان من ضرب آخر «إسفين» له في علاقة محمد صلى الله عليه وسلم مع أتباعه قال كلمته الشهيرة: «لم أر أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد لمحمد». على هذه القاعدة سارت علاقة المسلمين برسولهم، فكان الاتّباع أساس المحبة، وكانت العاطفة مدفوعة بالتأسي والاقتداء، فأثمرت المحبة حضارة وسعت الدنيا وعلومها وعمرانها، والآخرة ووعودها ونعيمها.
 
تطورت المحبة من عاطفة الى ثقافة تخللت يوم المسلم وليلته، وحكمت سلوكه، ووجهت تصرفاته، ليصبح هو الرسالة تسير على الأرض، وتحلق في الأجواء فيصل مضمونها قبل أن تصل حروفها.

لذلك صارت دولة الاسلام هي الدولة العظمى التي كانت مصدراً للنور، ومورداً للتشريع والتنظيم والبناء. ومع التقادم والتقدم لم تتغير المحبة، ولم تخفت العاطفة، ولكنها مالت عن مفهوم الثقافة الى مفهوم العاطفة. والعواطف اذا لم يلزمها العقل، ولم ينظمها المنطق انفلت زمامها، وربما ارتدّت على صاحبها فيكون الأذى بدلا من الرضا، والايذاء بدلا من الوفاء.
 
تمسك المسلمون بمحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا سنته. رددوا الصلاة عليه في اليوم ربما مئة مرة أو اكثر، وخالفوا أوامره ربما اكثر من ذلك. فزعوا غضبا من الإساءة اليه ولم يقلدوه في فن الرد على الإساءة. تبخرت الثقافة، وغاب الاتّباع وحلت مكانهما حمية العصبية. لذلك اندفع الآلاف من المسلمين متظاهرين ضد الرسوم المسيئة للنبي في باكستان وأفغانستان، وبالقدر نفسه يندفعون انتصارا للطائفة والقبيلة، فيرجع بعضهم يضرب رقاب بعض، وهو ما حذر منه الحبيب الذي تصدح باسمه الحناجر في علامات آخر الزمان.
 
محبة النبي حاضرة بقوة في نفوس المسلمين، وتزداد حضوراً كلما أراد الأعداء اختبارها، ولكنها محبة ناقصة، عرجاء، لا تفي بشروط المحبة التي طلبها صلى الله عليه وسلم عندما قال «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه». 

adel.m.alrashed@gmail.com 

تويتر