شاب حائر في اختيار التخصص بعد الثانوية

 

أنا شاب حالم، تمنيت منذ نعومة أظافري، أن أعمل في أحد مجالات الإبداع، لأعبّر عما يثور في صدري، وأحوّل الآمال إلى حقيقة، مضت سنوات عمري وأنا أعيش مغرّداً كالعصفور خارج السرب، في بيتي، وبين زملائي، لكن ها أنا وصلت لمرحلة الثانوية العامة، لأجد نفسي في مفترق طرق، لا أعرف ماذا أختار من تخصص في المستقبل، وإلى أين أسير، حتى تحوّلت أحلامي إلى طائر ذبيح في قفصي الصدري.


 يواصل محمد قصته قائلاً: حيرتي تزداد يوماً بعد يوم ما الذي سأختاره في المرحلة المقبلة، وتحديداً بعد تجاوز المرحلة الثانوية التي باتت على الأبواب، لذا فإنني أشعر بالضياع بين ما تميل إليه نفسي، من العمل في أحد مجالات الإبداع كالإعلام أو الفن، وما هو مطلوب في سوق العمل، لدرجة أنني أشعر بأن جسدي في خلاط كهربائي يفتت عقلي ولحمي وعظامي، لا أستطيع الوصول إلى قرار.


 باختصار أنا من أسرة مثقفة، ورغم ذلك لم تتبلور الصورة في ذهني، ما الذي سأختاره لتخصصي في الأشهر المقبلة، وحين أسأل أمي أو أبي يردون الكرة إلى ملعبي، ماذا تريد أنت؟!، فيكبر السؤال في داخلي، وتعود إلىّ صورة الطفل حين كان يٌسأل: ماذا تحب أن تكون في المستقبل؟ وأذكر أن معظم الأطفال كانوا يقولون «دكتور» أما أنا فكان جوابي مختلفاً، أرد بسرعة البرق قائلاً: أحب أن أقرأ وأكتب، لأنني كنت أرى أمي وأبي في هذا العالم، فدائماً هما متأبطان للصحف، أو للكتب، لذا كنت أرى في أي مهنة أبدع فيها حلماً.


وحين كبرت لم يتغير المشهد كثيراً، لأنني ماأزال أحلم بأن أكون مترجماً، أو سينمائياً، وربما فناناً، ولكن الحيرة تتلبسني حين أرى هذا العالم يمضي نحو فكرة السوق وما يحتاجه، الحاسوب، وتخصصات الاقتصاد، والهندسة بأنواعها المختلفة، وفي الوقت نفسه أصبحت الأمور أمامي أكثر ثقلاً، في أي جامعة سأدرس، وهل يستطيع أهلي دفع نفقات الدراسة المرتفعة جداً؟


 ألتفت حولي فأرى رفاقي يبحثون عن تخصص يوفر لهم بعد التخرج فرصة للعمل، وحين أسألهم يقولون لي هكذا يريد أهلنا دون أن يعرفوا خصوصية كل تخصص ومدى صلاحيته في سوق العمل، لذا تعاودني الحيرة. كيف أستطيع أن أحقق نفسي، وتكون لي خصوصية بتخصص أستطيع من خلاله تحقيق أحلامي في عالم الفن، أحياناً تقول لي أمي، اختر يا محمد التخصص العلمي وابتعد عن الفن والأدب،  وتبرر كلامها بأن هذا العالم لن يترك مساحة للحالمين.


حين يطلب مني أي واجب مدرسي، أحاول أن أصنع لعبة إخراجية خاصة ومميزة لأي بحث أقوم به، إذ إنني أتجاوب مع  قضايا كبرى تتعلق بالمنطقة التي نعيش فيها وتؤثر في الطفل، لأوظف الصورة والنص والموسيقى في العمل، فيكون عملي أكثر تميّزاً من أي عمل آخر، والآن أنا أقترب من الحصول على الشهادة الثانوية ورغم ذلك لا أعرف ما الذي سأتخصص فيه، إذ إن هناك فجوة حقيقية بين ما نحلم به وبين الواقع ومتطلباته، وغياباً لدور المنطقة التعليمية في ذلك. 


وأقصد  عدم وجود جهة توجه الطلبة لاختيار التخصص الأفضل؛ فلا أحد ينصحنا أو يدلنا على التخصصات، وأيها أفضل أو أسوأ، كيف يمكنني أن أعرف إن كان هذا التخصص مطلوباً وذاك لا، أو ما إذا كان التخصص هذا باب التشغيل فيه مغلق، وذاك لا؟ لا يوجد أحد يوجهنا بالشكل الصحيح،لذا أكبر دون أن أعلم ما الذي سأكونه في المستقبل القريب؟ 

تويتر