سهيل إدريس أيضا

يوسف ضمرة


مصادفة غريبة تلك التي جمعت هذين العلمين الكبيرين، سهيل إدريس وألان روب غرييه! تشابهٌ في الحياة الأدبية، وتزامن في الموت. وعمر واحد امتد خمسا وثمانين سنة مع غرييه، وثلاثا وثمانين مع سهيل إدريس.


سهيل إدريس أعلن الحرب على السائد والنمطي في الرواية العربية، الممزوجة بالسيرة الذاتية، تلك التي كتبها طه حسين مثلا في «الأيام»، وتوفيق الحكيم في «عصفور من الشرق». فجاءت روايته «الحي اللاتيني» أكثر من جريئة وصادمة ومفاجئة، في عالم كانت المعايير الأخلاقية تتحكم في أدبه وكتابته وإبداعه. ألان روب غرييه أعلن حربا على التراث الروائي البلزاكي، وصدم الفرنسيين، وظل كذلك حتى وفاته.
 
سهيل إدريس كان رائدا في الكتابة، وفي التجديد وفي المشروعات التي تعجز المؤسسات عنها، كمجلة الآداب ودار الآداب والمعجم الفرنسي العربي. وألان روب غرييه كان رائدا في حرف الرواية الفرنسية عن مسارها الكلاسيكي الطويل، نحو رواية جديدة، سميت اللارواية حيناً، ورواية الضد أو ضد الرواية حينا آخر. وقاد مجموعة من الكتاب على رأسهم كلود سيمون ومارغريت دورا ونتالي ساروت. 

سهيل إدريس وجد في سارتر والبير كامو ما يعينه على مواجهة الكتاب والمثقفين الماركسيين العرب. ووجد ألان روب غرييه في هؤلاء الروح الفردية التي شكلت عصب الرواية الجديدة. ولكن، يبقى أن سهيل إدريس، شكل لنا نحن القراء والكتاب على حد سواء، ملاذا ثريا لا يمكن لأحد أن يتجاهله أو يقفز عنه في المشهد الثقافي العربي منذ عام 1953، حين أسس مجلة الآداب الشهيرة، التي من بين صفحاتها تخرج العديد من الكتاب والأدباء والشعراء العرب.
 
وكأنها كانت بمثابة لجنة تحكيم على درجة عالية من النزاهة والموضوعية.أو أكاديمية ذات تقاليد عريقة في التعاطي مع الأدب والكتابة. ثم جاءت دار الآداب سنة 1956، لتكمل تشييد هذه الأكاديمية الأدبية الرفيعة. وتخوض حروبا عدة، كانت أبرزها ضد مجلة شعر برموزها الكبرى.  ولكن المفارقة الأكبر، هي أن المجلة التي خاضت معركتها تلك، ونجحت في استقطاب العدد الأكبر من الكتاب والمبدعين العرب، تودع صاحبها في خلال معركة أشد ضراوة. حيث تتعرض الآن إلى هجمة شرسة من الخصوم أنفسهم، أو من رفاقهم.

وكأن سهيل إدريس كان يعي منذ الخمسينات هذا الخطر الذي تمثله هذه الجماعات في تقلباتها وانتماءاتها الملتبسة. يرحل سهيل إدريس، لكنه يترك خلفه جيشا ممن تربى ونشأ في مدرسة الآداب العربية، مجلةً ودار نشر.  يرحل سهيل إدريس ومجلته وداره في يدين جديدتين شابتين، لكنهما قويتان. وهو ما نراه في الدكتور سماح إدريس.  ولعل هذا الصمود الذي يبديه الابن، يذكرنا بالصمود الذي اجترحه الأب الراحل، حين أسس مجلته شابا صغيرا، لم يكن معروفا كما ينبغي، وفي أصغر بلد عربي. بينما كانت مصر آنذاك ثقافيا تضج بالأسماء الكبرى، وتعيش حالا ثقافية صاعدة تصعب مجاراتها أو محاكاتها .
 

damra1953@yahoo.com

 
تويتر