«محاكمة الستة» لن تصل حتى إلى معيار نورمبورغ

 

إذا أراد الرئيس جورج بوش أن يكمل الطريق الى النهاية فستكون هناك محكمة نورمبورغ جديدة لتنظيم «القاعدة»، إذ إن هذه الرئاسة التي وقع فيها اكثر الاحداث دموية على الاراضي الاميركية تنتهي بمحاكمة، ومن ثم ادانة، فعقوبة الاعدام لاؤلئك الذين خططوا لها. وسيشعر الشعب الاميركي، والشعوب ذات التفكير اليميني حول العالم، بالسعادة اذ ان «نظام سجن غوانتانامو» ثبتت صحته، وأن العدل قد ساد، حيث سيلقى المجرمون في حق الانسانية ما يستحقونه. ولكن مما يؤسف له بالنسبة للرئيس بوش، الذي يحب الامور على بساطتها وصراحتها، فإن محاكمة خالد شيخ محمد وخمسة من رفاقه المتهمين بالتخطيط لاحداث 11 سبتمبر، ستكون بسيطة وصريحة. وبالطبع ليس هناك من يشك في أن الستة مذنبون، ولكن في مثل هذه القضية، فإن مسألة المذنب او البريء هي ابسط ما في الموضوع اذ ان هذه المحاكمة تدور حول عملية تبدو فاسدة، وربما لا يرجى اصلاحها. وبالمقارنة فإن المعالجة القضائية لقادة النظام النازي كانت نموذجاً للوضوح، والعدل، والانفتاح.


ويمكن ان نبدأ بالمشكلة الاكثر صعوبة والمتمثلة في التعذيب. وطبقاً لاعتراف المخابرات المركزية فإن محمد تعرض للتعذيب بأسلوب الايهام بالغرق، وهو اسلوب اجمع سكان الارض على انه تعذيب، باستثناء الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني. فكيف يمكن اعتبار ادلة تم الحصول عليها بهذه الطريقة، مقبولة من قبل المحكمة والقانون، وحتى المحكمة العسكرية؟


وقيل أخيراً ان الادلة ستكون مستندة إلى «معلومات نظيفة» استخلصها اعضاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بصورة لطيفة، بعد نقل محمد الى سجن غوانتانامو وأربعة اخرين من المتهمين في صيف عام .2006 ولكن هذه الادلة لا يمكن فصلها عن الادلة السابقة التي تم الحصول عليها اثناء وجود المتهمين لدى المخابرات المركزية في «معسكر الشبح»، هذا المعسكر الذي لم يدعم وجوده سوى بوش وحده. وكان محمد قد تعرض للتعذيب مع زملائه في هذا الجحيم من خلال «اساليب تحقيق معززة» مختلفة.


وبالطبع فإن ذلك ليس تأكيداً على صحة فكرة وطريقة سجن غوانتانامو. فهو احد المعالم التي تؤكد كيف ان ادارة بوش عملت خارج القانون الدولي المعروف. ومن ثم نأتي الى المحكمة العسكرية ذاتها، التي ستحاكم المتهمين. ومرة اخرى قيل لنا ان الاجراءات القضائية ستكون علنية الى ابعد حد ممكن. ولكن هذه ليست محاكمات مدنية اذ يسيطر عليها البنتاغون والبيت الابيض، وهما الطرفان اللذان خولا استخدام التعذيب، وعدد كبير من انتهاكات حقوق  الانسان ضد المتهمين، وأنهما قاما عادة  بمنع نشر بعض الحقائق على العامة، مبررين ذلك بأن نشرها يمكن ان يؤثر سلباً في الامن القومي. وحتى الان لم تتم محاكمة الـ275  متهماً الموجودين في غوانتانامو بالمحاكم التي وافق عليها الكونغرس عام .2006 وقال مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية لصحيفة «نيويورك تايمز»: «سوف نتبع القانون». ولكن السؤال المطروح ما هو هذا القانون؟


وهذا النوع من المحاكم لا يزال ارضاً قضائية بوراً، وغير مجربة، ويمكن ان تواجه التحديات في كل وقت. وما مدى علنية المحاكمات؟ وما قواعد قبول الادلة؟ هل سيتم اخفاء بعضها عن محامي الدفاع بداعي الامن القومي؟ لم يتم  تعيين محامين عسكريين حتى الان، لانهم غير متوفرين اصلاً. وبناء عليه من المرجح ان لا تبدأ اي محاكمة قبل نهاية ادارة بوش في يناير المقبل. 


وكانت محاكمة زكريا الموسوي في الفترة ما بين 2002 و2006 قد اثارت القضايا ذاتها: اي قبول الادلة، ووصول  الدفاع الى الادلة السرية، والحق في استدعاء  سجناء اخرين كشهود.


ورغم ان محكمة الموسوي كانت مدنية  وترأسها قاض اكثر تسامحاً من العسكريين، وكانت التهمة اقل بكثير من تهمة احداث 11 سبتمبر، الا انها استمرت اربع سنوات. ومن غير المعروف عدد السنوات التي ستستغرقها هذه المحاكمة.
* الاندبندنت
تويتر