مطاعم سورية في غزة

لأول مرة يشهد شارع النصر في قطاع غزة رائحة الأكلات الدمشقية الأصيلة على أيدي أبنائها، فبعد أن هُجّرت العائلات الفلسطينية اللاجئة، والسورية، من بين أنقاض الدمار والقتل، والمأساة التي تشهدها سورية، إلى قطاع غزة، لم يجدوا سبيلاً للتأقلم والتعايش في غزة سوى الاجتهاد والعمل الذاتي ولو بأبسط الإمكانات لتوفير لقمة العيش لهم ولعائلاتهم، وذلك من خلال افتتاح مشروعات بسيطة تساعدهم على مواجهة الظروف المعيشية الصعبة التي تحيطهم.

«الدمشقي» هو اسم المطعم السوري الذي جمع اللاجئ السوري مهند حمودة واللاجئ الفلسطيني باسل الشنار، اللذين فرقتهما مجازر القتل والدمار عن الأهل والوطن، فيما استقبل الغزيون هذه الفكرة بترحيب كبير، وذلك من خلال اقبالهم على هذا المطعم، وشراء وتذوق المأكولات التي يصنعها أهل الشام. وكان أكثر من ‬200 عائلة فلسطينية لاجئة قد نزحت من سورية إلى قطاع غزة، منهم من تعود أصوله للقطاع سابقاً، ومنهم من فلسطينيي سورية الذين لجأوا إليها بعد نكبة عام ‬1948، حيث لم يجدوا سبيلاً للفرار من القتل والقصف سوى اللجوء إلى أماكن آمنة ومستقرة مثل قطاع غزة، في ظل تزايد عدد الشهداء من الفلسطييين في سورية، الذي بلغ ‬1356 شهيداً، وفقاً لما أفادنا به منسق مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، طارق حمود.

«الإمارات اليوم» زارت «مطعم الدمشقي» الذي تزينه أحجار طينية كأحجار دمشق التاريخية، فيما رائحة المأكولات الشامية تنبعث في المكان لتجذب المارة في «شارع النصر»، حيث يعج المطعم بالعائلات اللاجئة من سورية، والعائلات الغزية التي قدمت لتذوق الطعم السوري الأصيل.

ويقول باسل الشنار (‬45 عاماً) وهو لاجئ فلسطيني ولد في سورية، نزح هو وزوجته وأولاده الثلاثة في شهر يناير الماضي من سورية إلى غزة، إن فكرة مطعم «الدمشقي» بدأت عندما التقى باللاجئ السوري مهند حمودة في مصر «حيث إن مهند له خبرة كبيرة في العمل بالمطاعم السورية التي ورثها عن والده وعمره ‬11 عاماً، وبعد أن عملت مع مهند في مصر في مطاعم العجين والفطائر والصفيحة السورية، اقترح علي النزوح إلى غزة، وافتتاح مطعم للمأكولات السورية هنا، وفوراً قبلت الفكرة، وبعد أيام جئنا إلى غزة وافتتحنا المطعم بعد شهور، حيث سمحت لنا السلطات المصرية بالذهاب إليها نظراً لصعوبة الأوضاع في سورية».

ويضيف «بات المطعم ملاذاً لعمل عدد من العائلات التي نزحت من سورية في ظل عدم توافر أعمال مناسبة لهم، فيما يصنع العاملون فيه الفطائر والصفائح السورية، ويعكفون على صناعة الكبة السورية بأنواعها، إلى جانب الحلويات الشامية».

ويوضح الشنار أن العمل في «مطعم الدمشقي» بغزة أفضل من العمل في كل المجالات بسورية، بعد أن تعرضت كل المحال والمناطق للقصف والدمار.

وإلى جانب الشنار كان مهند حمودة، سوري الأصل، يستقبل الزبائن التي توافدت إلى المطعم لشراء وتذوق المأكولات الشامية، حيث يقول «نفتح أبواب المطعم فجراً حتى نجهز العجين والمأكولات، وما أن تشرق الشمس نبدأ باستقبال الزبائن، حيث يزورنا يومياً أكثر من ‬1000 مواطن، بينما نوفر طلبات نصفهم بسبب الإقبال الكبير علينا».

ولعل هذا الإقبال ونجاح فكرة «مطعم الدمشقي» ما دفعا الشنار وحمودة، مثل العديد من العائلات النازحة، إلى التأقلم مع الظروف المعيشية في غزة، حيث يقول الشنار «قلبي ومشاعري في سورية، ففي كل يوم أفكر فيها وفي أهلنا الذين تركناهم هناك تحت القصف والدمار، لكن أهل غزة قريبون من العادات والتقاليد نفسها، وأنا مضطر إلى التأقلم لأنه لا يوجد خيار آخر سوى العيش في غزة».

الأكثر مشاركة