سهيلة الصقار: رعاية الصقور تشبه العناية بالطفل.                    تصوير: جوزيف كابيلان

«أم ماجد» العراقية.. 60 عاماً برفقة الصقور

بدأت رحلة سهيلة الصقار المعروفة بـ«أم ماجد العراقية» مع الصقور منذ طفولتها، واستمرت منذ أكثر من 60 عاما، إذ كانت تقصد أماكن الصيد مع والدها وتقضي أياما طويلة معه في الصحراء. ولم تكتف الصقار (68 عاما)، بمجرد التعرف إلى الصيد، بل دخلت عالم تجارة الصقور، لتكون من أوائل النساء اللاتي دخلن هذا المجال الذي يعده البعض حكرا على الرجال، وأصبحت حاليا من الرواد في المهنة، كما تعمل على إرشاد أبنائها الذين امتهنوا تجارة الصقور، إذ تقدم لهم النصائح والإرشادات قبل شراء أي طير، وذلك عبر الهاتف النقال لعدم قدرتها على الوجود في مكان العمل باستمرار بحكم عمرها الكبير، وتتميز التاجرة العراقية بإلمامها بالصقور وطريقة تربيتها ورعايتها الصحية.

وروت الصقار لـ«الإمارات اليوم» بداية حكايتها مع الصقور، قائلة «كان عمري ثماني سنوات حين كنت أقصد مع والدي أماكن الصيد، وذلك في بداية الخمسينات، وكنا نظل في أماكن الصيد لأربعة أو خمسة أيام تقريبا»، مشيرة إلى أن طريقة الصيد التي كان يعتمدها والدها لصيد الصقور قديمة وتعتمد على النخيل، موضحة «كان يضع الشباك على النخيل، وحين يأتي الصقر يتم صيده بالشبك، ولاسيما في الليل حيث كانت تأتي الطيور حين يحل الظلام، ثم بعد ذلك نبني له كوخا في الأرض كي نحافظ عليه.

واستدركت التاجرة المقيمة في العراق والتي زارت الإمارات، أخيرا، «انقطعت عن الخروج إلى أماكن الصيد مع والدي حين كبرت، بحكم العادات الاجتماعية العربية، ولكني تزوجت لاحقا من تاجر صقور والذي كان يبيع صقوره لأبناء الدول العربية، ولاسيما في البحرين وقطر، وبالتالي من جديد انخرطت في عالم الصقور».

أنواع مميزة

أما عن الاتجاه إلى التجارة، فقالت الصقار «بدأت في تجارة الصقور بعد وفاة زوجي في السبعينات، فالعائلة الكبيرة والمؤلفة من 11 شخصا أجبرتني على المتابعة في مهنة زوجي لأتمكن من إعالتهم، وكان اسم زوجي المعروف في السوق مهما جدا لي، حيث كان كثيرون يقصدونني للحصول على الصقور المميزة»، لافتة إلى أن خبرتها ساعدتها في الحصول على تلك الصقور المميزة ومنها الشاهين واللذيذ والأدهى وغيرها، و«غالبا ما آخذ بعين الاعتبار طول جناح الصقر، فكلما كان طول الجناح كبيرا كالحر الذي يبلغ طول جناحه الواحد 17 سنتيمترا، أو الشاهين الذي يقارب طول جناحه الـ15 سنتيمترا يكون أفضل بالنسبة لكثيرين.

وأضافت الصقار أن «الصقور السود والشقر أكثر الأنواع المطلوبة من قبل الزبائن، كونها جميلة، فيما تتميز الصقور الحمر بارتفاع ثمنها كثيرا كونها تتميز بجمال ريشها الذي يخلو من النقاط على الظهر». وذكرت أن أسعار الصقور لا حدود لها، فقد تبدأ من آلاف الدراهم لتصل إلى المليون، خصوصا مع الصقور النادرة والمميزة. وعن تجارة الصقور في العراق قالت «هناك ثلاثة تجار في العراق، فقط أنا ورجلان، وهناك تنافس بيننا حول إمكانية جلب الصقور ذات النوعية الأفضل، ولكني اليوم وبعد مرور سنوات على دخولي المجال بدأت أشعر بحبي الكبير للصقور، ولا أتعامل معها على أنني تاجرة وعلى أنها مصدر رزقي».

صدق وثقة

قالت التاجرة العراقية سهيلة الصقار، التي تبيع في كل موسم ما يقارب الـ12 صقرا، إن «الصدق في التجارة هو مفتاح الثقة بين الزبون والتاجر، لأننا نتحدث عن طيور سيربيها المرء، وأعتبر أن اسمي معروف في السوق بسبب صدقي وأمانتي، كما أن البعض يعمدون إلى بيعي الصقور دون أن يأخذوا مني المال إلى أن أبيعها وأسدد لهم أثمانها»، مشددة على أن الصدق هو رأسمال التاجر الجيد والذي يضمن استمراره في أي مهنة وليس في مهنة تجارة الصقور فقط.

صعوبات

ولا تشعر الصقار بصعوبات أو عراقيل تواجهها في عملها، إذ ترى أن تربيتها مع الصقور واعتيادها عليها في منزل والدها منذ الصغر لم يبق للعراقيل مكان في عملها، مستدركة «لا يمكنني أن أنكر وجود بعض المشكلات التي تواجهنا كتجار، ومنها مرض الطيور أو كسر جناحيها أو حتى موت بعضها، فهذا يسبب لنا خسارة مادية، لهذا غالبا ما نراقب الطيور كثيرا ونرعاها كثيرا قبل بيعها». واعتبرت أن الطيور المهاجرة أفضل بكثير من طيور المزارع، كونها تتميز بأنها ذات أصول معروفة بتكاثرها الطبيعي، وبكونها من بلدان تتميز بنوعيتها الجيدة.

وتملك التاجرة العراقية خبرة واسعة في التعاطي مع الصقور، وتدريبها على الصيد الذي يعتبر من الأمور الأساسية للتمكن من بيعها، وقالت «أحرص على أن أدرب الصقر على الصيد، ويكون ذلك في المنزل، حيث أعمد إلى حمل الصقر على يدي، ثم أغطي وجهه وبعدها أجلب له اللحم وأصيح له كي يقترب، ثم في المرحلة اللاحقة أضع له الحبار كي يصطاده ويأكله وبعدها يصبح صيادا يمكن الاعتماد عليه لصيد الحبار والأرانب وغيرها»، مشيرة إلى أن موسم الصيد في العراق قد تأثر كثيرا بالأحداث الأمنية هناك، حيث قل ذهاب الصيادين لأماكن الصيد، نظرا لصعوبة المبيت في أماكن غير آمنة.

وأكدت الصقار أن الصقر طير يمكن تربيته في المنزل، فهي تضع صقرا في منزلها وتوفر له حجرة خاصة به، تتوافر فيها جميع مستلزماته الغذائية. ووفقا للتاجرة العراقية «الصقر يحتاج لوجبتين خلال النهار، لذا يجب أن يقدم له الحمام في الصباح واللحم الطازج مساء، على ألا يكون اللحم باردا، علما بأن وجبته ليست كبيرة، بالإضافة إلى حاجته للماء للشرب والاستحمام»، لافتة إلى أن الصقر لا يعرف من يربيه في المنزل، إذ يألف المكان ولكن لا يميز الأشخاص جيدا.

أما أمراض الصقور التي يجب الالتفات إليها ومعالجتها، فهي أمراض الرئة والأمعاء، والكسل في الرجلين، وكذلك الكسر في الأجنحة التي غالبا ما تواجه المربين مع الخفاق المعروف بكثرة حركته، والذي يكسر جناحيه باستمرار. أما المكان الذي يجب أن يوضع فيه الصقر، فبحسب الصقار، يجب أن يكون دافئا في البرد، وباردا في الصيف، مشبهة الصقور بالأطفال «فكما نعتني ونرعى الأطفال في صغرهم علينا توجيه العناية نفسها إلى الصقور».

الأكثر مشاركة