رمضان فجر السّنة

شهر رمضان هو الشّهر التّاسع بين أخوته الشّهور الهجريّة، وأفضلها عند المسلمين كافّة، يحمل بين طيّاته أجراً وثواباً من الصّيام والقيام والزّكاة وغيرها، وقد قسّم الدّكتور أحمد عمارة الفجر لثلاثة أنواع: فجر اليوم وفجر الأسبوع وفجر السّنَة، ويتم تحديد الفجر حسب دوران الأرض حول نفسها وحول الشّمس، وعند تغير اليوم أو الأسبوع أو الشهر تتغيّر الطّاقة لدى الإنسان عند نقطة معيّنة، إذ يختلف نشاط الإنسان في وقت ما من اليوم عن غيره من البشر، إذ عند هذه النّقطة تكون طاقته في أعلى درجاتها.

شهر رمضان المبارك هو شهرٌ تتولّد فيه الطّاقة الإيجابيّة، وشهر التّغيير، هو فجرٌ تنبعث منه الأنوار، وتتنزل فيه الرّحمات، يجب استغلاله بالشّكل الأمثل، هو شهرٌ يأتي مرّة في السّنة يتمّ فيه شحذ الهمم، وتزويد الجسم بالطّاقة، وتنقية القلوب من الأمراض، وتنظيف الأبدان من الأدران، وكلّما استعدّ الإنسان لاستقباله كلّما حقّق سعادة وراحة بالٍ، ففيه الخروج من ظلمةِ السّلبية، إذ يُعتبر هذا الشّهر بمثابة شهرٍ لإعادة التّهيئة، فالإنسان يحتاج كلّ فترة للتّجديد والتّغيير، لأن الكون في تجدد دائم ممّا ينبغي عليه مواكبة هذا التّغير والتماس وسائل التّغيير، فالصّلاة وخاصةً صلاة الفجر أفضل الأعمال بعد التّوحيد وهي عمود الدّين وسبب لمغفرة الذّنوب، تضبط السّلوك، وتهذّب النّفوس، وتحافظ على الجسد بعيداً عن الأمراض، كما أنّها تمنحه القدرة على مواجهة أعباء الحياة.

أيضاً نجد أنّ فجر الأسبوع يتمثّل بصلاة الجمعة لفوائدها العظيمة الجمّة، تعمل على تآلف قلوب المسلمين وزيادة أواصر المحبّة والتّرابط فيما بينهم، وهذا برهان على محبّة الله لعباده، أن خصص لهم هذا اليوم من كلّ أسبوع لتجديد النّيّة مع الله، ومن صور حبّ الله لعباده أن خصّص لهم شهر رمضان المبارك ليتمّ الاتّصال الرّوحي بين العبد و ربّه، فيه العبادات والرّوحانيّات والرّحمات التي تتنزّل على قلوب العباد، لتملأها سكينة  و وقاراً، هو شهر صيام الجوارح وتقبّل الدعاء، أيّامه معدودات ينبغي اغتنامها وشحن  الطّاقة الدّاخلية بكل ما هو إيجابيّ من شأنه أن يعزّز التّواصل الرّوحيّ مع الله، يزرع بذرة الخير والتّصالح النّفسيّ، مراقبة الذات، تصحيح الأخطاء، التّوبة النّصوحة وخاصّة ليلة القدر وهي ليلة العبادة تعادل ألف شهرٍ.
 قال تعالى: ( ليلة القدر خير من ألف شهر)، فكلّ عملٍ في هذا الشّهر مضاعف الأجر والثواب، من صيام وقيامٍ و صدقةٍ و ذكر الله  تعالى والعتق من النّار، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه)، وهنا وَجب على الإنسان العاقل أن يستغلّ هذا الفجر العظيم فتغدو أيامه وضّاءةً تنير السّنة كلّها، وتبتهج الوجوه ضاحكة مستبشرة واثقة أنّ الله لا يُضيع عملاً عملته تبتغي به وجهه الكريم.
تقبّل الله أعمالنا جميعاً وبارك لنا في هذا الشّهر الفضيل، فهو فجر يضيء الأيّام المظلمة.

                                                                                             بقلم.. مايا الهواري.. اول باحثة دكتوراة في الذكاء العاطفي والقيادة في الوطن العربي

 

الأكثر مشاركة