تُعد مفاعلات الملح المنصهر من أفضل أنواع محطات الطاقة من ناحية إنتاج النفايات. من المصدر

هل يُحدث «الملح المنصهر» طفرة في إنتاج الطاقة

يتوقع أن تصبح مفاعلات الملح المنصهر إحدى طرائق إنتاج الطاقة الأساسية الخالية من الكربون في المستقبل، وهي نوع من المفاعلات النووية عالية الكفاءة ستلعب دوراً أساسياً في مستقبل الطاقة الخضراء الخالية من الكربون؛ فتشغيلها أقل كلفة من محطات توليد الطاقة بالفحم، بالإضافة إلى أنها مصدر طاقة أكثر أماناً من المفاعلات النووية التقليدية. بدأ تطوير مفاعلات الملح المنصهر منذ نحو 60 عاماً، وصممت بمختلف النماذج، إلا أنها تعتمد جميعاً على أملاح الفلوريد المنصهر المخزنة تحت ضغط منخفض. وتتكون من خليط من أملاح الليثيوم وفلوريد البريليوم المذاب في فلوريد اليورانيوم المخصب. ويستخدم المفاعل الغرافيت لتوجيه تدفق الملح عند درجة حرارة 700 درجة مئوية. وتؤدي الحرارة الناتجة عن الوقود إلى إنتاج البخار الذي يعمل على تشغيل العنفات فتولد الكهرباء. ويعد مفاعل فلوريد الثوريوم السائل أحد أشهر مفاعلات الملح المنصهر، والذي يستخدم الثوريوم واليورانيوم المذاب في ملح الفلوريد.

إنتاجية الملح

تحدد إنتاجية تقنية طاقة معينة بحساب الطاقة الناتجة عنها مقابل الطاقة المصروفة فيها. فمثلاً يبلغ عائد الطاقة من الطاقة المستثمرة من الألواح الشمسية نحو 10، أي أننا نحصل على 10 أضعاف كمية الطاقة المستثمرة. وتراوح قيمة هذه النسبة لأنواع الوقود الأحفوري مثل الفحم بين 18-43، أما عائد الطاقة مقارنة بالطاقة المستثمرة من مفاعلات الملح المنصهر فيصل إلى نحو 1200. ويعني هذا أن ناتج الطاقة من مفاعل ملح منصهر عالٍ جداً، ويمثل محفزاً قوياً لاستخدام هذه الأنواع من المفاعلات.

لكن عائد الطاقة على الطاقة المستثمرة ليس العامل الوحيد الذي يحدد مدى فائدة مصدر طاقة معين؛ فحساب كمية المواد الخام اللازمة لإنتاج كمية معينة من الطاقة عمل مهم أيضاً، فمثلاً لإنتاج غيغاواط واحد من الكهرباء/‏‏ سنة، على محطة الطاقة التي تعمل بالفحم معالجة فحم يملأ قطاراً بطول 570 كيلومتراً، وفي المقابل لا يتطلب مفاعل الملح المنصهر سوى 1000 كيلوغرام فقط من وقود الثوريوم أو اليورانيوم.

النفايات الناتجة

تعد مفاعلات الملح المنصهر من أفضل أنواع محطات الطاقة من ناحية إنتاج النفايات حتى عند مقارنتها بمحطات الطاقة التقليدية التي تعمل بالفحم؛ فعندما يُحرق الفحم لإنتاج الطاقة، تنتج كمية كبيرة من الرماد، فضلاً عن كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.

ففي حين تنتج مفاعلات الملح المنصهر، نحو طن من النفايات لكل غيغاواط/‏‏سنة من الكهرباء، فإن محطة تعمل بالفحم تنتج الطاقة ذاتها تخلف نحو تسعة ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون. لكن النفايات الناتجة من مفاعلات الملح المنصهر مختلفة نوعياً فهي مشعة، ويجب تخزينها لمدة 300 عام على الأقل.

وكما ذكرنا سابقاً، يتطلب مفاعل الملح المنصهر نحو 1000 كيلوغرام من وقود الملح لكل غيغاواط/‏‏سنة من الكهرباء المنتجة، وفي المقابل يتطلب المفاعل النووي التقليدي الذي يعمل بالوقود الصلب نحو 250 طناً من اليورانيوم المخصب لإنتاج الكمية ذاتها، فضلاً عن ضرورة تخزين مخلفاتها لأكثر من 100 ألف عام.

لذا تمثل كميات النفايات الكبيرة الناتجة من المفاعلات النووية الحديثة مشكلة، لكن هذا لا ينطبق على مفاعلات الملح المنصهر التي تصمم بطريقة تتيح استخدام الكثير من نفايات المفاعلات التقليدية وقوداً لها وبكفاءة عالية؛ إذ يمكن للنفايات الناتجة عن مفاعل عادي في عام واحد، تشغيل مفاعل الملح المنصهر لمدة 250 عاماً تقريباً.

مفاعلات آمنة تماماً

الانصهار النووي أو انصهار اللب، الكلمتان الأكثر رعباً في مجال الطاقة النووية، إذ يمكن أن تتعرض المفاعلات النووية التقليدية التي تعمل بالوقود الصلب لخطر الانهيار إن لم تضبط حرارة النواة بشكل صحيح. ونظراً لأن مفاعلات الملح المنصهر لها نواة مذابة أصلاً، فلا وجود لخطر الانصهار أساساً.

وربما الأهم من ذلك، هو حقيقة ان نواة مفاعل الملح المنصهر لا توجد تحت أي ضغط، لذا فإن وقوع الانفجارات ليس خطراً محتملاً. فضلاً عن أن تشغيل هذا المفاعل تحت الضغط الجوي يعني أن أي تسرب في الأنابيب لا يؤدي تلقائياً إلى إخراج جزء من الوقود المبرد. لذا تعد هذه ميزة أمان رئيسة تسهل إمكانية التبريد السلبي الذي من شأنه أن يحول دون وقوع حوادث كارثية مثل كارثة فوكوشيما.

إن أفضل طريقة لشرح كيفية عمل مفاعلات الملح المنصهر هي تشبيهه بوعاء يحتوي على سوائل لزجة وساخنة، تسخن من تلقاء نفسها نتيجة التفاعلات النووية في تلك السوائل، وعند إحاطة الوعاء بالماء سيتحول الأخير إلى بخار ويولد الكهرباء.

ولكن إحاطة الوعاء بالماء يبرد السائل، وعندها، تتقارب نوى الذرات في السائل اللزج داخل الأملاح، ما يؤدي إلى تسريع وتيرة التفاعل النووي وإنتاج مزيد من الحرارة بشكل أسرع. أي أنه نظام ذاتي التنظيم وسهل التشغيل نسبياً، ولا يحتاج إلى قضبان تحكم لتوجيه التفاعلات النووية.

بعد بدء الانشطار في مفاعل الملح المنصهر، ترتبط نواتج الانشطار الضارة تلقائياً بالملح المنصهر، ويصبح بالإمكان التخلص من هذه المنتجات الثانوية الخطرة بأمان، علاوة على وجود احتياطات أمان نهائية في هذه المفاعلات أيضاً، ففي الجزء السفلي من «الوعاء» الذي يحتوي على الملح المنصهر، يوجد أنبوب تصريف للملح. وفي ظل الظروف العادية، توجد مروحة كهربائية تعمل على تبريد الملح ليصبح صلباً ويكون سدادة ملح صلبة تمنع بقية الملح من التدفق إلى أسفل الأنبوب.

شروط الأمان

أحد مقاييس الأمان الرئيسة التي يجب مراعاتها مع المفاعلات النووية، هو احتمالية سرقة الوقود واستخدامه في صنع القنابل النووية والأجهزة الأخرى. ففي حين تتطلب مواقع الطاقة النووية التقليدية كمية كبيرة من الوقود الصلب في الموقع من أجل الحفاظ على تشغيل المفاعلات، لا ينطبق الأمر ذاته على مفاعلات الملح المنصهر التي تتزود بالوقود بشكل متقطع جداً.

مفاعلات «الملح المنصهر» أكثر أماناً من «النووية التقليدية»، وتشغيلها أقل كلفة من محطات توليد الطاقة بالفحم.

الأكثر مشاركة