3 عقود من الإبداع والجنون الأنيق

كارل لاغرفيلد.. العبقري سليط اللسان

صورة

لم يكن شعره القطني المربوط دائماً إلى الخلف، أو نظاراته الشمسية السوداء التي تخفي عينيه الفضوليتين، أو قفازاته الجلدية الشهيرة الكاشفة عن أصابعه، أو الياقة الطويلة التي ترافق كل قمصانه مجرد زي يفضل الظهور به، بل تحول كل ذلك ومع السنوات إلى علامة تجارية، تمثل المصمم الألماني والمسؤول الأول لإحياء دار الأزياء الباريسية «شانيل» من جديد، كارل لاغرفيلد، الذي فارق الحياة في المستشفى الأميركي في باريس، الثلاثاء الماضي، بعد معاناة سرية وطويلة مع سرطان البنكرياس، عن عمر 85 عاماً. المصمم الذي استطاع، منذ توليه الإدارة الإبداعية لـ«شانيل» عام 1983، إعادة الحياة إلى الدار التي كانت آيلة إلى السقوط والاندثار في مطلع الثمانينات، وأن يتحول إلى إحدى أساطير الموضة العالمية في العصر الحديث، والمحرك الأول لكل ما يرمز لذلك في عاصمة الأناقة الفرنسية، لم تقتصر شهرته الواسعة على عبقريته الإبداعية فقط، بل أيضاً على تعليقاته السليطة الشهيرة، وبغضه الشخصي والمعروف للنساء اللاتي يتمتعن بوزن زائد على المقاييس المثالية، مطلقاً عليهن عبارة «السمينات»، ما أدّى إلى اتهامه بالعنصرية.

طفولة مدللة

ولد كارل أوتو لاغرفيلدت في هامبورغ بألمانيا، ورغم أنه لم يفصح يوماً عن التاريخ الحقيقي لميلاده، فإن هناك العديد من الإثباتات والأخبار التي أثبتت على مر السنوات أنه ولد في 10 سبتمبر 1933، إلا أنه وفي السنوات الأولى من انطلاقته في عالم الأزياء، وكحال والده، فضَّل حذف الحرف الأخير من اسم العائلة ليصبح «لاغرفيلد»، اعتقاداً أنه يبدو «مقبولاً تجارياً بشكل أكبر».

كان كارل الابن الأصغر لكل من إليزابيث بالمان، وأوتو لاغرفيلد، الذي كان رجل أعمال مرموقاً، كون ثروته من خلال امتلاك شركة لإنتاج وتصدير الحليب المبخر، بينما كان جده والد أمه كارل بالمان، سياسياً محلياً في الحزب الكاثوليكي الوسطي.

في عهد هتلر مطلع الثلاثينات، انتقلت عائلة كارل، المكونة من والديه وأخته الكبرى مارثا كريستيان (كريستل)، إضافة إلى أخت كبرى غير شقيقة من والده من زواج سابق (تيا)، إلى شمالي ألمانيا، بعيداً عن معاناة الحرب وآثارها في الأطفال، وهي الفترة التي حرصت العائلة خلالها على أن تبعد أبناءها عن أي معرفة حول النازية، كما استطاعت العائلة في تلك الفترة أن تقي نفسها الحرمان وعوز الحرب، بسبب تجارة الأب الناجحة، ليعيش الأبناء حياة مريحة في منزل ثري، وفي أجواء تدعم النقاشات والأنشطة الثقافية، وغالباً كانت الأحاديث حول طاولة العشاء تشمل موضوعات في الدين والفلسفة، كما كانت والدة كارل عازفة كمان متميزة.

برز حب كارل واهتمامه بالتصميم في فترة مبكرة من حياته، وكان غالباً يقوم بقص تصاميم وصور من مجلات الأزياء، ويبدو أن سلاطة لسانه كانت واحداً من الطباع التي كبرت معه منذ طفولته، حيث عرف عنه انتقاده اللاذع لزملائه في المدرسة حيال ما يرتدونه.

بداية حرة

لم تكن نيات ورغبات الابن لاغرفيلد واضحة حتى انتهائه من دراسته الإعدادية، فبعد عودة العائلة مرة أخرى إلى هامبورغ، والتحاقه بمدرسة داخلية، انتقل كارل في المرحلة الإعدادية إلى مدرسة «ليزيه مونتين» في باريس، متخصصاً في الرسم والتاريخ، وجاء القرار الطبيعي والمنطقي آنذاك في العيش بهذه المدينة الساحرة والحاضنة للفن والأناقة. لم يحتج لاغرفيلد لأكثر من عامين، لينال الجائزة الأولى في مسابقة لتصميم الأزياء في فئة تصميم معطف، بعد تقديمه مجموعة من الرسوم والتصاميم ونماذج من الخامات المقترحة لابتكاره، وهي المسابقة التي التقى خلالها بفائز آخر وصديقه المقرب منذ تلك اللحظة، المصمم الراحل إيف سان لوران، ليحظى بعد ذلك بفترة قصيرة لوظيفة ثابتة مع مصمم الأزياء الفرنسي بيير بالمان، كمساعد مبتدئ، ومن ثم كمتدرب، وهي الفرصة التي كان يحلم بها كثيرون آنذاك، والتي عمل بها لمدة ثلاث سنوات. في عام 1958 عمل لاغرفيلد مديراً إبداعياً لدار الأزياء جان باتو، وفي عام 1964 انتقل إلى روما لدراسة التاريخ، وعمل آنذاك لدى دار أزياء «تيزيانو»، ليبدأ بعد ذلك بالعمل بشكل حر التصميم لعدد من دور الأزياء، مثل «كلوي»، و«تشارلز جوردان»، و«كريزيا»، و«فالنتينو»، ليتم تعيينه في دار أزياء «فندي» لاحقاً، بهدف تطوير وتحديث خط أزيائهم الخاص بالفرو، وهي الفترة التي استطاع من خلالها إثبات قدراته الواضحة في التجديد والتغيير والتفكير بطرق مبتكرة غير مكررة، وليتحول لاحقاً إلى المدير الإبداعي للدار حتى وفاته. كانت زيارة سوق البضاعة المستعملة واحدة من الهوايات التي يقوم بها لاغرفيلد، بحثاً عن فساتين الزفاف القديمة، ليقوم بفكها بالكامل وإعادة تصميمها وتطويرها من جديد.

شانيل

يعتبر جهد لاغرفيلد في إعادة الحياة لدار الأزياء الباريسية «شانيل» في مطلع الثمانينات، والتي كانت تعتبر آنذاك ماركة مندثرة وعتيقة الأمر الذي تبع وفاة مؤسستها «كوكو شانيل» قبل عقد من هذه الفترة، أحد أكثر النجاحات التي رفعت اسم المصمم محولة إياه إلى البطل الذي استطاع تحقيق المستحيل، وكان ذلك من خلال تجديد وتحديث خط الملابس اليومية الجاهزة، بالإضافة إلى إعادة الحب والتركيز على «لوغو» العلامة التجارية وإدخاله كطبعة مميزة في التصاميم، وكان هذا النجاح بداية علاقة طويلة وعميقة بين المصمم والدار، حتى وفاته.

ضجة إعلامية

لطالما ارتبط اسم كارل لاغرفيلد بإثارة الضجة الإعلامية، وإثارة حنق وغضب الآخرين، سواء من خلال قرارات، أو أفكار، أو تعليقات، غالباً تتسبب بكثير من الاستهجان.

في عام 1993، قامت رئيسة تحرير مجلة فوغ الأميركية، آنا وينتور، بمغادرة عرض أزيائه، خلال أسبوع ميلان للموضة، بسبب اختياره عارضات يعملن كراقصات تعرٍّ، واستعانته بممثلة أفلام إباحية شهيرة آنذاك، لتكون العارضة الرئيسة لمجموعة «فندي».

وللمصمم عبارات أخرى مثيرة للاستفزاز، مثل وصفه للمغنية البريطانية أديل بأنها «سمينة أكثر من اللازم»، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة، ما جعل المصمم يقدم اعتذاراً رسمياً، بالإضافة إلى تعليقه حول العارضة الألمانية هايدي كلوم، قائلاً إنه هو وكلوديا شيفر لا يعرفان من هي هايدي كلوم، فهي لم تعمل في باريس قط، وبأنها تعتبر «غير ذات أهمية في عالم الموضة». كما طالت تعليقات المصمم القاسية أيضاً (بيبا) ميدلتون، شقيقة دوقة كامبريدج كيت ميدلتون، بعد إبدائه الإعجاب بالأخيرة، وواصفاً إياها بصاحبة «الجمال الرومانسي»، ليضيف قائلاً «لا أحب وجه شقيقتها، يجب عليها أن تكشف عن ظهرها فقط».


اكتشاف

يعتبر كارل لاغرفيلد المكتشف والداعم لأشهر عارضات الأزياء العالميات، منهن: عارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر، والبريطانية نعومي كامبل، واللاتي رثين على حساباتهن عبر «إنستغرام» المصمم الراحل، وعبرن عن امتنانهن لما قدمه إليهن من دعم وتطوير.

حب كارل واهتمامه بالتصميم برز في فترة مبكرة من حياته.

لطالما ارتبط اسم كارل لاغرفيلد بإثارة الضجة الإعلامية، وحنق وغضب الآخرين.

تويتر