«روث هاندلر».. الأم العظيمة التي أنجبت دمية «باربي»

«دمى الأحلام» هو ملخص قصة نجاح «روث هاندلر»، وعنوان كتاب سيرتها الذاتية، التي بدأتها بلعبة تحولت إلى صناعة ثم ثقافة غزت العالم بأسره، إنها صاحبة وصانعة «باربي»، الدمية التي تباع منها ست قطع في الثانية الواحدة، بمبيعات إجمالية تتجاوز قيمتها 1.9 مليار دولار سنوياً، في 150 دولة.

- «مليار دمية بيعت في 150 دولة، بإيرادات سنوية بلغت أكثر من 9 مليارات دولار».

- «صنعت «باربي» بإصدارات بإصدارات عدة، متصلة بنحو 125 مهنة، بما في ذلك «رئيس الولايات المتحدة».

6 قطع من «باربي» تباع في العالم كل ثانية.

- عام 1958، شاهدت روث ابنتها باربرا تلعب رفقة أصدقائها بدمى مصنوعة من الورق، فأدركت أن هناك فجوة في السوق، يجب أن تملأ بفكرة إبداعية.

تقول روث الأم الروحية لـ«باربي»: «كانت فلسفتي الكامنة وراء هذه اللعبة، هي أن أمكّن كل فتاة صغيرة من أن تكون أي شيء تريده من خلال (باربي)، حيث ستبقى هذه الدمية تمثل دائماً حقيقة واحدة، هي أن المرأة تملك الكثير من الخيارات».

نجحت روث بفلسفتها في أن تتربع على عرش الدمى التي لا تموت، وتمكنت بفطنة وذكاء امرأة في لحظة أمومة من صناعة حلم اميركي جامح، لاتزال تغازل به خيال وواقع فتيات العالم.

بدأت قصة روث عام 1958، عندما كانت تشاهد ابنتها باربرا تلعب رفقة أصدقائها بدمى مصنوعة من الورق، ولاحظت أنهم كانوا يستمتعون كثيراً بالتعامل مع الدمى، على أنها تمثل أشخاصاً كباراً، فيتخيلونها على هيئة دكتورة، وممرضة وسائقي سيارات السباق ومشجعي فرق الكرة. وفي تلك الفترة، كانت معظم الدمى على شكل أطفال صغار. ولا تلبي طموح وخيال الأطفال ممن تتجاوز أعمارهم 10 سنوات، عندها أدركت روث أن هناك فجوة في السوق، يجب أن تملأ بفكرة إبداعية.

بعد وقت من التفكير، قررت صنع دمية حية لا تشبه تلك البلاستيكية المسطحة، كمّا قالت في مقابلة أجرتها لصحيفة «نيويورك تايمز»، عام 1977: «كانت الألعاب وقتها تقليدية ولا تُشبه الأطفال، كانت كل فتاة صغيرة تحتاج إلى دمية يمكنها من خلالها تصوّر مستقبلها وحلمها».

دمية ألمانية

اقترحت روث على زوجها إليوت هاندلر، الشريك المؤسس لشركة «ماتيل للألعاب»، فكرة تصميم دمية لها جسد امرأة، لكنه لم يتحمس للموضوع وطلب منها أن تنسى ذلك، ظلّت الفكرة عالقة في رأسها حتى استوحت تصميمها من لعبة ألمانية شهيرة في الخمسينات، ففي رحلة إلى سويسرا لفتت نظرها في المتاجر دمية ألمانية تدعى «بيلد ليلي»، فقررت أن تنقل الفكرة إلى بلدها مع تعديل التصميم الألماني، وسمتها «باربي» نسبةً إلى ابنتها. عرضتها على المسؤولين في شركة «ماتيل للألعاب»، لكنهم لم يظهروا ترحيباً كافياً بالفكرة لأن تنفيذها سيكون مكلفاً، ما سيرفع سعرها، ويؤثر بالتالي في مبيعاتها، إلا أن روث لم تتخلَّ عن فكرتها، وقامت بجولات عدة إلى اليابان وألمانيا، للتعرف إلى أفضل التقنيات التي يمكن أن تنفذ بها الفكرة مع خفض الكلفة الحقيقية.

وبعد أن نجحت في ذلك، واجهت رفضاً آخر من قبل فريق التسويق في الشركة، بحجة أن الأمهات لن يرغبن في شراء دمى لبناتهن لها مظاهر أنوثة واضحة، وبعد ثلاث سنوات من محاولة إقناع زوجها وفريق التسويق في شركة «ماتيل للألعاب»، صنعت روث دميتها الصغيرة بحجم 11 بوصة فقط، والتي كانت كفيلة بتحويل الشركة الصغيرة إلى عملاق صناعة الألعاب بقيمة 1.9 مليار دولار سنوياً.

النجاح.. والصدمة

ظهر الشكل الأول لـ«باربي» عام 1959، في معرض الألعاب بمدينة نيويورك، وهي ترتدي ملابس البحر باللونين الأبيض والأسود وبكعب عالٍ، وكان شعرها على شكل ذيل حصان، كما كانت متوافرة شقراء وسمراء، وتمت صناعة الدمية في اليابان، وقام عمال منازل يابانيون بخياطة ملابسها يدوياً.

وتم تسويق الدمية على أنها عارضة أزياء مراهقة، بيعت أول دمية مقابل ثلاثة دولارات فقط، وتم بيع 350 ألف دمية «باربي» خلال السنة الأولى من الإنتاج.

رغم هذا النجاح المحدود بدأت الشركة تواجه مشكلات في تسويقها وتراجعاً في المبيعات، بسبب امتعاض بعض الآباء من مظاهر الأنوثة الطاغية للدمية.

عبقرية التسويق

لم تعطِ روث أهمية لاستبيانات فريق التسويق، ولا لانتقادات أولياء الأمور، واتجهت بحس أمومتها القوي إلى مخاطبة الفتيات مباشرة عن طريق التلفزيون، والإعلانات المصورة التى كانت تشهد طفرة حقيقية في تلك الفترة، وقدمت روث «باربي» بلقطات مصورة كفتاة حقيقية ترتدي أفخم وأرقى الماركات، وتتمشى كعارضات الأزياء، وتنافس بملامحها وجسدها المشوق نجمات السينما. بفضل هذا النهج التسويقي المبتكر، تمكنت روث، خلال ثلاثة أشهر فقط من الحملة الإعلانية، من قلب كل معدلات صناعة الألعاب وتسويقها، وأصبحت «باربي» تباع بمعدل 20 ألف قطعة في الأسبوع. وكان الطلب على الدمية كبيراً جداً، إذ استغرق الأمر سنوات عدة حتى تساوى العرض مع الطلب.

تقول روث، في مقابلة صحافية، إن «(باربي) لم تعد مجرد دمية، لقد أصبحت جزءاً من مراحل نمو بعض الأطفال، فكثير من هؤلاء الأطفال يضعون أحلامهم، وأهدافهم، من خلال دمية (باربي)، وقال العديد منهم إن (باربي) ساعدتهم في تحقيق تلك الأحلام، هذا شيء يفوق التصديق.. لكنه صحيح».

وفي سنوات قليلة، استطاعت «باربي» أن تصبح أيقونة عالمية تلهم المصممين، ودور الأزياء، والشركات، والمجلات، وتُحقق من ورائها أرباح طائلة، لقد أحدثت روث ثورة في عالم الأطفال والأهل، الذين حاولوا دون جدوى مقاومتها. وتقر نساء ولدن وراء الستار الحديدي إنهن حلمن بامتلاك دمية «باربي» حتى بعد بلوغهن سن الرشد، والكثير من ربات العائلات لايزلن يفخرن بمجموعة دمى «باربي» التي يمتلكنها.

وعلى مدى السنوات، أضيف أفراد وأصدقاء جدد إلى عائلة «باربي»، إضافة إلى صديقها الشهير كين، الذي أطلقت عليه روث وإليوت، هذا الاسم تيمناً بابنهما كين. كما تم إنتاج «باربي» بإصدارات عدة، متصلة بنحو 125 مهنة، بما في ذلك رئيس الولايات المتحدة، وكانت الدمية إما عروساً بيضاء أو سمراء أو شقراء، وفي عام 1961 تمت إضافة الشعر الأحمر، وفي عام 1980، تم تقديم أول دمية لـ«باربي» أميركية من أصل إفريقي، ومن أصل إسباني وصيني.

سرطان الثدي

في عام 1978، تمت محاكمة روث وعدد من المسؤولين في شركة «ماتيل»، بتهمة التزوير والإبلاغ الكاذب إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات، التي قال المحققون إنها كانت محاولات للتأثير في أسعار الأسهم، وتم تغريم روث مبلغ 57 ألف دولار أميركي، وحكم عليها بأداء 2500 ساعة من خدمة المجتمع.

بعد هذه الفضيحة، قدمت روث استقالتها من شركة «ماتيل»، وبدأت البحث عن نشاط واستكشاف منتج إبداعي جديد، حيث قامت بتأسيس شركة خاصة لصناعة الثدي الاصطناعي للناجيات من السرطان.

وفي عام 1970، شخص الأطباء إصابة روث بسرطان الثدي، وتم استئصال ثديها الأيسر. وواجهت مشكلة إيجاد ثدي بديل اصطناعي جيد، فقامت روث بتطوير خط إنتاج الثدي الاصطناعي المصنوع من الرغوة والسيليكون، الذي أطلقت عليه اسم «أنا تقريباً».

وأصبحت مدافعة وناشطة تدعو للكشف المبكر عن سرطان الثدي، ففي الوقت الذي كان النقاش فيه حول العالم قليلاً حول المرض، كانت روث التي وصفت ذات يوم بأنها «عبقرية التسويق»، تُعرف في كثير من الأحيان، خلال تلك السنوات، بفتح قميصها في المقابلات لتري العالم ثديها الاصطناعي، وتتحدث عن مرضها.

وتقول روث «عندما ابتكرت فكرة (باربي)، اعتقدت أنه من المهم بالنسبة لأي فتاة صغيرة، تقديراً واحتراماً لذاتها، أن تلعب بدمية، والآن أصبحت أشعر بأنه من المهم أكثر أن نعيد تقدير الذات إلى النساء اللواتي فقدن أثداءهن».

توفيت روث في أبريل عام 2002، في لوس أنجلوس، عن عمر يناهز 85 سنة.

ميلاد روث وشركة ماتيل

ولدت «روث» في ولاية كولورادو، من عائلة بولندية مهاجرة، وكانت أصغر طفلة في إخوتها العشرة، كان والدها حداداً فرّ من بولندا لتفادي الخدمة في الجيش الروسي، وكانت والدتها تعانى أمراضاً عدة، طفولة صعبة عاشتها الطفلة روث، ولم يكن لها وقت للهو برفقة الدمى، ظلّت تتدرج في المراحل التعليمية، وبعدما أنهتها، تولت أول وظيفة لها، سكرتيرة صغيرة في استوديوهات هوليوود «بارامونت» الشهيرة، ثم تزوجت زميلها من أيام «الثانوية»، وبدأت معه الحلم.

وحولت روث شركة صغيرة إلى أكبر مصنع للألعاب في العالم، وتمكنت من بيع مليار دمية في 150 دولة، وتحصيل إيرادات سنوية تزيد على تسعة مليارات دولار.

الأكثر مشاركة